كيلو عواطف

الدموع التي نفرت من عيوني وانا اتابع اللحظات الأولى من النشرة اللبنانية التلفزيونية الموحّدة من اجل فلسطين، لم تكن فقط بسبب المحتفى بها. دموع لا اعرف كيف فاجأتني. كانت كنبع تفجر للتو في ارض غير متوقعة. كنت اتعشى وقد وضعت صينية الطعام امامي متحينة بدء النشرة الموحدة بين تلفزيونات لبنان التي اضحت في السنوات الاخيرة، مثل اي شيء في البلد، أداة للانقسام والتباعد بيننا، نحن اللبنانيون.

وضعت لقمة في فمي وبدأت النشرة.. فإذ باللقمة ترفض آن تنزل في بلعومي. هكذا، اختنقت بدموعي، فلفظت اللقمة وعلا صوت بكائي لوحدي، هكذا، امام التلفزيون.
لا أعرف لم لا يمكن لمن يأكل أن يبكي في الوقت ذاته! كأنهما فعلان متضادان. بكيت لذلك الشعور بالوحدة مع بقية اللبنانيين، لأول مرة ومنذ زمن طويل. بكيت للموقف الوطني الانساني المشرف، بكيت لاني احسست ان فلسطين ليست يتيمة، ونحن لسنا فرادى.

نعم، اكثر ما اثر فيّ، كان مقدمة نشرة "ام تي في"، وذاك الاعتذار الانيق في بداية الفقرة المخصصة للقناة التي لم يعرف عنها حب العروبة او فلسطين او حتي اخوانها في الوطن ... كانت الفقرة بقلم طلال سلمان صاحب الفكرة؟ على الارجح، لكن المؤكد ان القناة تبنتها. تمام.
لكن.. ولا بأس من الاستدراك، لم اكد انخرط في انفعالاتي وتنتهي استهلالية النشرة، حتى بدأت فقراااااااات ..الانشاء.
والانشاء، هو صنو فراغ القلب من المعنى، وحين تفرغ الكلمات من معناها، يعني ذلك ان المعنى اصلا لم يكن موجودا في القلوب. الانشاء هو انتحال صفة الشعر. والشعر ليس من مهام الصحافيين. فمهمتهم شيء آخر تماماً.
حين يكون المعنى في الكلمة، فانها تسلك طريقها مباشرة الى الفهم والى القلب ولا تخرج من هناك ابدا. اما حين تفرغ الكلمة من المعنى فهي تتزحلق عن الاذن، وتصبح خفيفة لدرجة انها تطير وتتبدد بمجرد الخروج الى فضاء الحقيقة من الافواه التي تلوكها. وحين يتكاثر الانشاء في قضية مثل قضية فلسطين، فان ذلك يعني افراغ القضية ومنعها من التواصل مع الوجدان العام: اي قتلها.
هكذا ما ان اوغلت النشرة في تقاريرها حتى غرقنا في تكرار المعاني الانشائية وكل تقرير زود نفسه بمقدمة من الكلام المرصوف، استعرض فيها عضلات مؤلفها..شيء يشبه "كيلو عواطف وكيلو دموع".. "وقدمي الطبق ساخنا يا سيدتي".ما جعل المشاهد ينفر اولا ثم يسخر ثانيا. لا بأس من رش ماء الورد على الطبق، لكن ماء الورد وحده، وبهذه الكميات العائلية، "يلعي" النفس يا زملاء.
يبقي التنويه بمواقف مسؤولي التلفزيونات من غير اهل بيت القضية، كرئيس مجلس ادارة "ال بي سي"، بيار الضاهر الذي قال أنّ المشاركة في هذه المبادرة «واجب» في ظل ما يجري في غزّة، خصوصاً في ظل الطريقة التي يتعاطى فيها أخيراً «الرأي العام الغربي مع الموضوع».
شديد الاهمية ما قاله الضاهر. فهو يعبر عن وعي جديد للفئة التي يمثلها. وعي لعلاقة الغرب الحقيقية بعالمنا العربي. وعي للعروبة كوعاء هو الوحيد الصالح لان يجعلنا بكل طوائفنا وادياننا متساوين امام دولة القانون، وعي ايضا لمصالح الغرب المتعارضة مع مصالحنا. وعي لكذبة الاعلام الغربي الحر والذي تصبح محطات مثل الحرب على غزة، مناسبة لاكتشاف حدوده العالمثالثية.
في الوقت الذي كنا نتضامن فيه مع غزة، بشاشة واحدة تجمع كل شاشاتنا علي تنوعها، كان الاف المسيحيين العراقيين يجبرون على مغادرة بيوتهم وارضهم التي كانوا فيها منذ الف سنة في الموصل. لافت كان استخدام "داعش" لتقنية النازيين في وسم البيوت المسيحية بحرف نون اي "نصراني" كما كان النازيون يفعلون ببيوت اليهود في فرنسا وبريطانيا والمانيا النازية.
انه عقل غربي هذا الذي يتبنى هذه التقنية، عقل موسوم كعقل ناج يهودي من المحرقة.
بالطبع فلا اظنكم تعتقدون ان "داعش" صناعة عربية او اسلامية، الا بقدر ما تكون العروبة والاسلام صفتان لانظمة ليس فيها من الانتماء الى الاثنين اي شيء.
لذا، بدت النشرة الموحدة، كبوصلة تشير الى ما يستطيع وحده ان يجمعنا، الي ما يستطيع وحده أن يساوي بيننا كمواطنين في عالم نسيجه واحد على اختلاف الوانه وتصميماته، اقصد العروبة. عالم يحكي لغة واحدة، ويقرأ ويكتب ويفكر بلغة واحدة تجمعنا كلنا علي اختلاف افكارنا وأذواقنا ومعتقداتنا.
لذا، وبرغم كل الهفوات والاخطاء.. من القلب تحية.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

علام علام - 8/2/2014 10:16:40 PM

لست ادري ما هي الكلمة التي تستطيع أن تصف جمال مقالاتك واعجابي بها يا أخت العروبة

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 8/3/2014 1:49:54 PM

تسلم يا علام.. يخليك ضحى

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/24/2014 9:51:21 PM

وماذا يقال عن العقل الموسوم باسطورة المحرقة النازية لليهود؟

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

ليد بشار عون-ألبوشرية-ألمتن-سجل42 ليد بشار عون-ألبوشرية-ألمتن-سجل42 - 7/24/2014 9:07:00 AM

يا صديقتي ولما هذه ألدموع؟هل كنت تبكين غزة وأطفالها أم ألمحطات أللبنانية وأولادها... بألأذن من ألقراء جففوا دموعكم قليلا"!كانت محطة ألشيخ بيار ألضاهر LBC ألأولى في نشر خبر وصول ألقوات إلى نهر ألليطاني في 2006 و قد شاهد ألمراسل وبأب و بأم ألعين ألجنود يشربون من مياه ألليطاني (رغم أن كل مجارير سهل ألبقاع منازل و معامل تصب في هذا ألنهر )(...)

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

فيصل باشا/برلين فيصل باشا/برلين - 7/23/2014 9:08:40 AM

وصلنا لزمن أصبحت فيه الصحافة تجارة،والإبادة الجماعية وجهة نظر، توحدت نشرة الاخبار حسنا ولو لمدة. قصيرة جداً،نادرة او سابقة تاريخية، للكيلوغرام وقت مفرفطينه ع الدقيقة،وانتهى.وكان اشرائيل انتهت وزالت وتوقفت عن ابادتنا. الصراع مع العدو هو صراع وجودي وليس بحاجة كل مرة لدم جديد لكي ننتبه ان هذا العدو يتربص بنا ومجرم وعدو كل الإنسانية،لهذا يجب ان يأخذ من كل تلفزيوناتنا حيز اكبر من الوقت لتسليط الضوء عليه أكثر،فهو خطر على الانسانية سواء احتل أرضنا او لم يحتل. لا يكفي ان نأخذ شوك عواطف عيار كيلو من الشعور الانساني،وجسدنا غير متعود عليها بالأساس فأكيد سوف تلعي نفسه الغير متعود على هذا النوع من الطعام الإنساني.فقد نحن بحاجة الى مناعة وهي تكون بمزيدا من الوعي ان كل مصائبنا هي بوجود هذا الفيروس في جسدنا ولا بد من مقاومته وهذا يكون بكل شي والإعلام ليس الا أداة لزيادة الوعي،فهي خطوة بالطريق الصحيح وليكون مسارا وليس لحظة كرنفال وانتهى.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

Taghleb Saleh Taghleb Saleh - 7/22/2014 8:40:40 PM

أوافقك الرأي ، لم نصنع داعش و لكن، هل هبطت علينا من المريخ؟ أعمال العنف و الفظائع اقترنت بكل المنظمات التي ترعاها أمريكا من الميليشيات التي نفذت صبرا و شاتيلا إلى عصابات الكونترا وصولا الى الحر و النصرة و داعش .... (أتمنى أن تراجعي محاضرة هارولد بينتر أمام لجنة جائزة نوبل و هذا رابطها http://www.nobelprize.org/nobel_prizes/literature/laureates/2005/pinter-lecture-e.html ) رغم ذلك ، ثمة حقيقة لا بد من ذكرها ، لقد خططوا و مولوا و دربوا ، لكننا نحن من دعشنا عقولنا و تركناهم يعبرون على أجسادنا الى باطن الأرض ، ليس إلى القبور بطبيعة الحال، فهذه ،منوا بها علينا و تركوها لنا ،ما شئنا ....أو شاؤوا . تقبلي تحياتي تغلب

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم