لم يعد لـ «المسحّراتي» الجنوبي مطرح بعدما حوّلت «البطالة» ليل الأهالي الى نهار. كشفت أمسيات شهر رمضان المبارك عن حجم العاطلين من العمل جنوباً. وحدهم عمال الأفران وأصحاب محالّ الأركيلة يعملون، في النهار وفي الليل أيضاً، يؤمنون عدة السهرة المعتادة للنائمين نهاراً.
قرى الجنوب الحدودية انقسمت الى مناطق زراعية وأخرى اغترابية يحلو فيها السهر. في بلدات مثل حولا وعيترون وعيتا الشعب وبليدا وتولين ورب تلاتين، يعود لزراعة التبغ الفضل في خلود الأهالي باكرا الى النوم، تتوقف السهرات الرمضانية باكراً جداً في حاراتها القديمة. تقول أم أحمد بركات إنها وأولادها الأربعة يخلدون الى النوم عند العاشرة مساءً، «لأن علينا النهوض في الثالثة والنصف فجراً، نتناول طعام السحور، ونصلّي، ونذهب الى القطيفة». تبدأ أم أحمد وعائلتها العمل الشاق، الذي لا ينتهي الاّ عند المغيب، تقول «بعد العودة من الحقل ظهراً، علينا أن نبدأ بشك أوراق التبغ، ومن ثم البدء بإعداد طعام الفطور».


قرى الجنوب
الحدودية تنقسم إلى زراعية وأخرى اغترابية

صيام المزارعين لا يشبه على الاطلاق صيام الآخرين في الأحياء أو البلدات التي تعتمد على الاغتراب، مثل بلدات جويا وحاريص وشقرا ودير انطار... معظم أبنائها يعتاشون من أموال المغتربين، وينتظرون دورهم في الهجرة، لا مشكلة عندهم بتغيير أوقات النوم. «سهرات في كل مكان، وحتى ساعات الفجر الأولى، والكزدورة تبدأ من الساعة العاشرة ليلاً وتستمر حتى ساعات الفجر الأولى، أما الأفران، فحدّث ولا حرج»، يقول محمد ترحيني، من بلدة جويا، مشيراً إلى أن «هذه السهرات الجميلة، لا تدلّ على حياة هادئة وجميلة، بل تؤكد أن معظم المقيمين عاطلون من العمل، ويعتاشون على أموال المغتربين، والاّ فكيف تجد معظم شباب البلدة يحيون ليالي رمضان حتى الصباح الباكر».
بعض أصحاب الأفران في المنطقة ينقلون أعمالهم الى هذه القرى التي يفضل أبناؤها السهر وتناول طعام السحور خارج المنزل. ففي بلدتي جويا وحاريص تضاعفت أعداد الأفران، يشير ترحيني الى أن «3 أفران اضافية افتُتحت أخيراً في جويا، وكلها تعمل حتى الصباح وتعج بالزبائن»، الا ان هذه ليست حال كل القرى، فبلدات مثل قبريخا وطلوسة وربّ تلاتين وبني حيّان والقنطرة تفتقر الى الأفران والمحال التجارية، باستثناء الدكاكين الصغيرة.
في معظم القرى الحدودية باتت الطرقات العامة هي مراكز السهرات الرمضانية الطويلة، فالمطاعم والمتنزهات معدومة هناك، باستثناء ثلاثة متنزهات افتُتحت أخيراً في وادي الحجير، لكن «يبدو أنها مخصصة للميسورين فقط، ولا يستفيد منها أكثرية الأهالي، المنقسمين بين المزارعين الذين ينامون باكراً، والعاطلين من العمل الذين لا قدرة لهم على دفع الأموال»، كما يقول محمد قازان (الطيبة).