الى ما قبل المعركة البرية، وتوالي تساقط جنود جيش الاحتلال، ربما كان بإمكان بنيامين نتنياهو التسويق وسط الرأي العام الداخلي بأن اسرائيل انجرّت الى معركة لم تكن تريدها، وهو يفعل ويؤكد على ذلك، والقول إن إسرائيل لم تنتقل الى أي مرحلة عملانية إلا بعدما استنفدت المرحلة السابقة ميدانياً وسياسياً، وهو أمر ظاهر للعيان. لكن مع سقوط خسائر بشرية مؤلمة، لم تعد هذه التبريرات كافية في تسكين آلام الجمهور، وتهدئة مخاوفه من الأسوأ.
كذلك لم يعد باستطاعته القول إن العملية حققت أهدافاً محددة بأقل الخسائر الممكنة، بل بات هذا الكابوس أكثر حضوراً في وعي القادة والجمهور على حد سواء. رغم المحاولات الحثيثة لعدم إظهار مؤشرات ضعف في خضم المعركة، كما هو الأداء الاسرائيلي، في المعارك السابقة.
وبعدما كانت قضية الصواريخ تحتل رأس الاهتمامات الأمنية الإسرائيلية إزاء قطاع غزة، انضم اليها أيضا تهديد الأنفاق التي شكلت العنوان والشعار للعملية البرية المحدودة. لكن المشكلة بالنسبة إلى إسرائيل أن الثمن كان كبيراً. وعلى فرض أن إسرائيل استطاعت التخفيف من وطأة تهديد الأنفاق، إلا أن هذا الأمر يندرج ضمن إطار «الانجازات الظرفية»، خاصة أن المقاومة قادرة على إعادة بنائها وتطويرها في المراحل اللاحقة.
مع ذلك، من الطبيعي أن يكون للحراك الدولي النشط، بوصول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية الاميركي جون كيري، الى المنطقة، أثره على بلورة الخيارات العملانية الإسرائيلية، على أن يبنى على الشيء مقتضاه في ضوء النتائج التي ستتمخض عن هذا الحراك، سواء باتجاه الانكفاء استناداً الى تفاهمات مفترضة، أو باتجاه توسيع نطاق المواجهة نحو جولات أكثر عنفاً وتدميراً ودموية.
الى ذلك الحين، تواصل إسرائيل سياساتها الدعائية التي ترتكز على مبدأ تحميل الضحية مسؤولية مقتلها، بنيران جيش الاحتلال. لكن الأبلغ هو أن يجد هذا الخطاب صداه في مواقف الشخصيات المفترض أنهم وسطاء لوقف النار، والذين لا يفوتون فرصة لتكرار لازمة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
ولمناسبة لقائه مع بان كي مون، اختار نتنياهو توظيف صورة حركات «الجهاد العالمي» كتيارات إرهابية، للمقارنة بينها وبين حركة «حماس»، مشيراً الى أن الاخيرة «مثلها مثل داعش، والقاعدة وبوكو حرام» لجهة أنها جميعاً تعمل ضد التعددية والحرية. وبدلاً من التركيز على المطالب الفلسطينية المعيشية في عرض وتفسير موقف المقاومة في غزة، «قفز» نتنياهو الى الموقف المبدئي لفصائلها من وجود اسرائيل، للقول إنه «لا خيار أمام إسرائيل الا الدفاع عن نفسها «في مواجهة عدو» لا يريد حل الدولتين... بل يريد تدميرنا». واستناداً الى هذه الرؤية، كرر نتنياهو موقفه بأن الجيش سيواصل «مكافحة أهداف حماس الى حين تحقيق العملية، إعادة الهدوء والامن لمواطني دولة إسرائيل، مع إضعاف البنية التحتية لحماس بشكل جوهري».
والتزاماً بالسياسة الدعائية التي تعتمدها إسرائيل في إلقاء المسؤولية على فصائل المقاومة، كرر نتنياهو، على مسمع بان، لازمة أن «إسرائيل وافقت على الاقتراح المصري، المدعوم من قبل الامم المتحدة وأوروبا»، متجاهلاً حقيقة أنها تلبي المطالب الاسرائيلية وتتجاوز المطالب الفلسطينية المعلنة.
من جهته، دعا بان الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني الى وقف القتال والبدء بالتحدث، وطالب بمعالجة أسباب الصراع، مؤكداً عدم وجود بديل من حل الدولتين. وعبّر عن تقديره لحق إسرائيل «الشرعي» في الدفاع عن نفسها، «لكن أطلب أن تكبحوا ردّ فعلكم».