كنا نظن أننا سنشاهد في مسلسل «قلم حمرة» ليم مشهدي وحاتم علي (السومرية) خطوة رزينة ربما تكون الأولى للدراما السورية نحو الغوص في خبايا ما حدث خلال سنوات الحرب، أو أننا سنلمح إجابات ولو عابرة عن الطريقة التي انقلبت فيها الثورة السلمية للشعب السوري صراعاً طائفياً جلب الإرهاب والتكفير وخلط الأوراق، فتهاوت البلد وصولاً إلى الفوضى.
لكننا فوجئنا بعد مرور أكثر من عشرين حلقة أن طموحنا كان فضفاضاً على المسلسل. نحن هنا أمام واحدة من محاولات يم مشدي لصناعة نص تلفزيوني من دون وجود حكاية واضحة المعالم. صحيح أنها حققت نجاحاً على هذا الشكل في تجربتها السابقة «تخت شرقي» الذي قدم نماذج سورية واقعية بطريقة تجافي كل النظريات الكلاسيكية لفن الدراما. إلا أنه في «قلم حمرة» أطاحت ظروف عدة بوصفة السيناريست السورية المتميزة. يبدو واضحاً الحشو في مشاهد الزنزانة لبطلة العمل وكاتبة السيناريو «ورد» (سلافة معمار) التي تروي قصص مجتمعها الضيق. لو فرضنا أنّ هذه المشاهد حذفت، لما تأثر المتابع بشيء ولا تغير مسار القصة. من جهة ثانية، يفاجأ الجمهور بحال شخصيات مشهدي وهي تحكي بالأسلوب والطريقة نفسيهما، حتى طالبة المرحلة الثانوية تتفوق أحياناً على والدها الطبيب النفسي وتحكي بأسلوب يكبرها عمراً ويشبه أسلوب باقي شخصيات المسلسل. وبدلاً من التعاطف مع بطلة العمل نتيجة اعتقالها، يجد المشاهد نفسه منقلباً ضدها لكثرة تنظيرها وانتقاداتها التي لا تنتهي لكل من حولها من دون أن نفهم ماذا تريد من الحياة وكيف هي وجهتها بعيداً من أسلوب بائد نهرب منه في الواقع، فكيف لنا أن ننسجم معه في الدراما؟ تغرق شخصيات «قلم حمرة» في حالة تنظير وكلام طويل يتلوه كلام، مع الغياب الواضح لأي حدث درامي ومحاولة اختزال الأزمة السورية في بضعة حوارات لن تزيد عن إحدى جلسات المثقفين في مقهى «الروضة» الدمشقي. ورغم براعة حاتم علي واحتياله على المشاهد وإقناعه بأن بار هيفا (كاريس بشار) في باب شرقي في حين أنّه صوِّر في أسواق جبيل القديمة، إلا أنّ الحيلة لن تنطلي لأكثر من بضع حلقات، طالما أن الكاميرا ستعجز لاحقاً عن تصوير لقطة عامة واحدة في الشارع. وستلعب «الكلوزات» القريبة من وجوه الممثلين دوراً إضافياً في حالة النفور من العمل، أو أنها ستحوله في أفضل الأحوال إلى مستمع يتابع المسلسل على طريقة الدراما الإذاعية. أصوات الممثلين وحدها قادرة على نقل الحدث. ورغم الفرصة المواتية لعودة سلافة معمار نجمة استثنائية، إلا أن المساحة الضيقة التي لعبت فيها من حيث المكان والحوار المتكرر في الزنزانة، قللت من شأن ما قدمته نجمة «زمن العار»، وجعلت الضوء يتركز على كاريس بشار. على بساطة دورها، إلا أنّ بشار كانت نجمة المسلسل، مجسدة لأول مرة دور أم لشابين في مقتبل العمر.
بعض كتاب الدراما التلفزيونية يأخذون وقتاً طويلاً في إنجاز أعمالهم لأنهم يذهبون نحو شخصيات تشبه تلك التي ينسجونها على الورق ويعيشون معها. ربما هذا ما ينقص «قلم حمرة» الذي تحكي كل شخصياته بأسلوب موحد هو أسلوب يم مشهدي في الحياة.