يوم عنيف ودامٍ شهدته أمس محافظة الحسكة، ثالثة المحافظات السورية مساحةً. ويبدو أن تنظيم «الدولة الإسلامية» قد اتخذ قراراً بوضع المحافظة على رأس أولويات «تمدده»، بالتزامن مع شن هجوم هو الأكبر من نوعه على مقر «الفرقة 17»، نقطة التمركز الأبرز للجيش السوري في محافظة الرقة. «الفوج 121» في المليبية (ريف الحسكة الجنوبي) مثّل الهدف الأوّل للتنظيم المتطرف. معارك عنيفة شهدها الفوج، وسط تضارب في الأنباء حول مآلها.
مصادر التنظيم أكدت سيطرته على أجزاء من الفوج، وإطباق الحصار على ما تبقى منه من جهتي الجنوب والشرق، فيما أكد مصدر ميداني سوري أن «الفوج قد تعرض لهجوم شرس، وما زالت المعارك دائرة في المنطقة. لكن حامية الفوج تمكنت من استعادة توازنها، بمؤازرة الطائرات». محيط «الفوج 123» (كوكب، ريف الحسكة الشرقي) شهد بدوره اشتباكات عنيفة، وتندرج محاولة السيطرة على الموقعين العسكريين المهمين ضمن خطة «استراتيجية» قال مصدر في تنظيم «الدولة» إنها «الخطوة الأولى على طريق بسط نفوذ الخلافة على كامل ولاية البركة» (الاسم الذي يطلقه التنظيم على الحسكة). وقال المصدر لـ«الأخبار» إن «مجاهدي الخلافة سيتمكنون بحول الله من تحقيق فتوحاتٍ جديدة، تضاف إلى الفتوحات التي منّ الله بها عليهم في معظم الولايات». ورغم الأهمية القصوى للاشتباكات الدائرة في المواقع العسكرية، غير أن التطور الأبرز الذي شهدته المحافظة يتمثّل في الاختراق الذي تمكن «الدولة» من تحقيقه في مبنى فرع حزب البعث في مدينة الحسكة. خمسة «انغماسيين» تمكنوا من دخول المبنى، فجّر أحدهم نفسه قرب الباب الرئيسي، واستغل الآخرون الفرصة فاقتحموا المبنى الذي شهد اشتباكات أدت إلى مقتل عضو قيادة الفرع حنا عطا الله والمسؤول العسكري في الفرع عبد الصمد النزال، قبل أن يتمكن عناصر حماية الفرع من قتل المهاجمين، وفقاً لمصادر سورية. إلى ذلك، أفادت مصادر التنظيم عن تمكنه من السيطرة على مبنى سجن الأحداث الواقع قرب البانوراما (أول طريق الحسكة ــ دير الزور). وقالت المصادر إن «مجاهدي الدولة قصفوا السجن بقذائف الهاون، ثم قام انغماسيون باقتحامه والسيطرة عليه». وفي القامشلي، دارت معارك عنيفة في قرية خربة الجدوع (جنوب المدينة) وسط أنباء عن تمكن «تنظيم الدولة» من السيطرة على معظمها، فيما تستمر محاولات الجيش السوري لاستعادتها. وبالتزامن، دارت معارك عنيفة بين تنظيم «الدولة» ومسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في المناجير، وتل سنان، والبويضة، والشركة، وأم الدبس، جنوب رأس العين.

مصدر سوري: وضع «الفرقة 17» مستقر ولا صحة لما يروّج عن سقوط وشيك لها


يُذكر أن محافظة الحسكة تُعتبر هدفاً ذهبياً للتنظيم. تتضافر في ذلك أسباب عدة، على رأسها آبار النفط وصوامع الحبوب ومحالج القطن، علاوةً على أهميتها الاستراتيجية، إذ تضمن السيطرة عليها التحاماً جديداً للأراضي التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا، كما يُمثل القضاء على القوة العسكرية لمسلحي الأحزاب الكردية هاجساً أساسياً لـ«تنظيم الدولة».

«الدولة» يعلن سقوط «الفرقة 17»

وعلى صعيد متصل، أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» في الساعات الأولى من فجر اليوم سقوط «الفرقة 17» في ريف الرقة الشمالي في قبضته. وتداولت مواقع موالية للتنظيم أنباء تفيد عن «اقتحام مجاهدي الدولة آخر المواقع داخل الفرقة وفرار من تبقى من الجنود نحو الشمال». وكان مسلحو «الدولة» شنّوا هجوماً هو الأضخم من نوعه بعد عمليتين انتحاريتين. الهجوم الأول تمّ بواسطة شاحنة مفخخة ليل الأربعاء ــ الخميس، ونفذه السعودي أبو خطاب النجدي (عبدالعزيز الجزراوي) على مشارف الفرقة. الهجوم الثاني نفّذه سعودي آخر هو أبو صهيب الجزراوي (عبدالله السديري) فجر أمس، واستهدف كتيبة الكيمياء في الفرقة. وتباهت مواقع موالية للتنظيم بأن الهجوم قد وقع «في ذكرى بدء معركة سقوط مطار منغ العسكري (ريف حلب)، وبخطة مشابهة»، في إشارة إلى الاقتحام الانتحاري. ونشرت صفحات تابعة لـ«الدولة» صوراً لستّة رؤوس مقطوعة، قيل إنها لجنود سوريين قُتلوا في معارك اقتحام الفرقة. مصدر عسكري سوري أكد أن «ستة عسكريين قد استشهدوا»، نافياً في الوقت نفسه أن يكون ذلك قد حصل خلال معركة الاقتحام. وقال المصدر لـ«الأخبار» إن «الشهداء كانوا عائدين من تنفيذ مهمة عسكرية على مشارف الفرقة، ويبدو أنهم وقعوا في كمين». المصدر كان قد أكد أن «الوضع في الفرقة مستقر ومتوازن، ولا صحة لكلّ ما يروج عن سقوط وشيك لها». كما أكد مصدر عسكري آخر مقتل أكثر من 60 مسلحاً من «الدولة» وجرح العشرات في الاشتباكات المستمرة في محيط الفرقة. لكن الأنباء التي وردت أخيراً من الفرقة تجعل الصورة مغايرةً تماماً لحديث المصدرين.