«لعلع» صوت الرصاص حزناً في بلدة المنية الشمالية من جديد. لم يهدأ أزيزه لنحو ساعتين متواصلتين. المناسبة هي تشييع المغدورين رياض سويد وابنه حسن، اللذين قتلا جراء خلاف مع جارهما عبد المجيد العتر على خلفية رمي «كيس زبالة».لم يتوقع أحد من سكان محلة الحكر في بلدة المنية، أن ينتهي خلاف العائلتين بهذه الطريقة المأسوية. الشارع الذي اعتاده أبناؤه نابضاً، لاعتباره من أكثر أحياء المنية اكتظاظاً بالسكان، أطبق عليه الصمت أمس. خلا الشارع من المارة. التزم الشبان بيوتهم. غادرت عائلة العتر منزلها، فيما نقل آل سويد العزاء بفقيديهما إلى محلة أخرى. النفوس لا تزال مشحونة، والخوف من أن يرد آل سويد بالثأر هو ما يقلق سكان المنطقة الآن.
يعود الخلاف بين العائلتين الى سنوات مضت على أحقية ركن سيارة، إلا أنه تعداه إلى ما هو «أسخف». أول من أمس، في تمام العاشرة والنصف ليلاً بعيد الإفطار، خرج الطفل لؤي سويد ليرمي كيس نفايات في البرميل الموضوع وسط الشارع، حيث يقع منزلا آل سويد وآل العتر المتقابلان. ولسوء حظ الطفل ابن السنوات العشر، فإن البرميل موضوع أمام محل الخضر الذي يملكه عبد المجيد العتر. وعندما لمح الأخير الطفل يتقدم لرمي الكيس، «هبّ» بوجهه غاضباً. وبّخه، وطلب منه انتشال الكيس لرميه في مكان آخر. رفض الطفل، فضربه العتر. عاد لؤي إلى منزله وأخبر أشقاءه بما حدث. على الفور، نزل معه أخوه حسن (22 عاماً) ليستفسر عما حصل. وحسن شاب رياضي، مفتول العضلات، يعمل حارساً في قصر قريطم العائد لآل الحريري. وبحسب ما روى أحد أفراد العائلة في اتصال مع «الأخبار»، فإن «العتر كان يخاف حسن كثيراً. فقد كان المغدور من «قبضايات الحي». وبمجرد أن عاد لؤي الى المنزل باكياً، تحسّب العتر إلى أنه سيلجأ إلى أخيه حسن. فأحضر بندقية الصيد خاصته بانتظار حدوث الفاجعة». لم يستطع حسن أن يكمل جملته الأخيرة وهو يخاطب العتر «شو صاير يا أخونا؟ كل يوم بدنا نعمل مشكلة مع بيت العتر!»، حتى أطلق الأخير النار عليه. وأصابه إصابة حرجة في حوضه. أما الطفل لؤي فهرب على الفور، إلا أن العتر حاول قتله بإطلاقه ثلاث رصاصات نحوه من دون أن يصيبه. عمت البلبلة في الشارع، ولكن أحداً من الجيران لم يجرؤ على الاقتراب من العتر لإيقافه. ما هي إلا لحظات حتى نزل والد حسن إلى الشارع ليسأل عما يحدث، ولم تكن فترة مكوثه في منزله إثر عودته من المملكة العربية السعودية قد تجاوزت ساعتين فقط. ووفق ما أكد شهود عيان لـ«الأخبار» فإن «رياض لم يكن يعرف أن الشاب المضرّج بالدماء هو ولده». اقترب من العتر محاولاً تهدئته، فأطلق عليه النار أيضاً وأرداه قتيلاً على الفور، ثم فر هارباً.
لحق عدد من الشبان بالعتر محاولين الإمساك به، لكنهم لم يفلحوا. إلا أن فرع المعلومات ألقى القبض عليه ظهر أمس وهو في طريقه إلى بيروت. بينما عمل عدد من السكان على نقل حسن إلى المستشفى. وصلوا به بداية إلى مستشفى الخير في المنية. هناك، رفض الأطباء التدخل نظراً إلى صعوبة حالته. فلجأ عدد من شبان آل سويد إلى الاعتداء على أحد الأطباء بالضرب، معترضين على استحالة إسعاف حسن. ثم انتقلوا به إلى مستشفى النيني في طرابلس، فأجرى له الأطباء عمليات عدة، لكنه أسلم الروح في السادسة من صباح أمس.
وما إن تبلغ أبناء آل سويد خبر وفاة حسن، حتى ساد جو من الغضب العارم. ترجم بإحراق مبنى آل العتر المؤلف من ثلاث طبقات، بالإضافة إلى إحراق محال الخضر العائد للمعتدي عبد المجيد العتر. وعلى الرغم من وجود عناصر من الجيش اللبناني في مكان وقوع الجريمة، حيث أُحرق المبنى، إلا أن شبان آل سويد وقفوا في المكان شاهرين أسلحتهم الحربية ومطلقين أعيرة نارية كثيفة في الهواء، مهددين بها أي شخص يجرؤ على الاقتراب لإطفاء الحريق.
وظهراً، شُيع رياض وحسن في مسجد الضيعة الكبير في البلدة، وسط أجواء من الحزن الشديد والأسى. الأم الثكلى مزقت حجابها الأسود «هيدي عيديتي يا ماما». أما الطفل لؤي، فقد حاول أحد أقربائه إبعاده عن المكان، بعدما صرح لـ«الأخبار» عن «احتمال إصابته بصدمة نفسية، إذ إنه لا ينفك يسأل منذ وقوع الحادث «وين أبي وأخي، أنا شو عملت؟».