اتخذت مهرجانات الصيف في لبنان قراراً شجاعاً هذا العام، وأبقت على مواعيده، رغم ظروف غير مستقرّة تشهدها المنطقة. ومن حضر أمسية في أي من المدن اللبنانيّة العريقة، يشهد كيف أن المدارج تغص بالحضور من كل الشرائح العمريّة والاجتماعيّة. رغم الأتون المشتعل في فلسطين البوصلة، كان الرأي الغالب هو الابقاء على البرمجة، كشكل من أشكال المقاومة والتضامن، واحتقار المسخ الذي يريد رؤوسنا جوفاء، ومسارحنا خاوية، وأرضنا يباباً.
بقيت المهرجانات ضدّ الصهيونيّة والظلاميّة، وهما وجهان لعملة واحدة. لم يتراجع الجمهور عن الحضور، ولم يلغ حتى الآن أي من الفنانين العالميين مشاركته. وحدها السوبرانو الرومانية أنجيلا غيورغيو فضلت أن تنقل أمسيتها في الثالث من آب/ أغسطس إلى «كازينو لبنان». لدى الاعلان عن الخبر «الأخبار» (٣١/ ٧/ ١٤)، تردد كلام متسرّع عن أوضاع غير مؤاتية في مدينة الشمس. وهذا طبعاً لا يمت إلى الحقيقة بصِلة. بعلبك كأي منطقة أخرى في لبنان اليوم، مشرّعة على الحياة، متمسّكة برهاناتها الوطنيّة والنهضويّة، في وجه التزمّت والعنف والانغلاق. وسنذهب إليها للاحتفال بالثقافة والحريّة في مهد الحضارة والتنوير. نحن على موعد مع ابن تلك الأرض عاصي الحلاني (أوّل آب/ آغسطس). كما ينتظرنا الفنّان التونسي ظافر يوسف (١٠/ ٨)، ثم سيرك «أصابع اليد السبع» (١٦/ ٧)، وأخيراً الثنائي الفرنسي جيرار دوبارديو/ فاني أردان الذي سيستحضر مارغريت دوراس في «معبد باخوس» (٣١/ ٧). لنرتم إذاً في احضان المدينة المضيافة، حيث تسهر علينا ملائكة الظل وقوى الخير. ولنترك لطيور الشؤم أن تنعق وحدها في مستنقع الانحطاط والتخلّف. تحيّة إلى بعلبك وقد بذلت كل الجهود لاعادة احتضان المهرجان العائد بعد انقطاع قسري عابر. وتحيّة إلى «مهرجانات بعلبك الدوليّة» التي تختزن نصف قرن من الانجازات الابداعيّة الفريدة. هذا تاريخنا الذي نعتز به، ولن نتخلّى عنه لطيور الظلام.