خلال حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع شبكات التلفزة الأميركية، واصل الخط الدعائي المعتمد إسرائيلياً في تغطية السياسات النارية التي تستهدف المدنيين بصورة متعمدة ومدروسة. وأكد نتنياهو أن «إسرائيل ستفعل كل ما ينبغي من أجل الدفاع عن مصالحها الأمنية»، قائلاً: «سنواصل العملية العسكرية إلى حين إعادة الهدوء الى مواطنينا». وضرب مثالاً بقوله: «لو تعرضت دولة مثل الولايات المتحدة و80% من جمهورها لتهديد الصواريخ وصاروا يركضون إلى الملاجئ، وفي حال كان هناك أنفاق تحت المدن الأميركية... حينئذ كانت ستفعل ما تفعله إسرائيل».
في سياق كلامه، انتقد ما سماه المحاولة الأميركية لدفع مساعدة اقتصادية لترميم القطاع بعد وقف النار الدائم، معتبراً أن «الأموال التي تأتي من المجتمع الدولي من أجل حدائق الأطفال في غزة استخدمت من أجل حفر الأنفاق وتفجير الحدائق في إسرائيل».
وفي محاولة لاحتواء مفاعيل صور الدمار والنساء والأطفال التي تكشف حجم مجازر جيش الاحتلال، وكانت قد انتشرت بقوة في وسائل الإعلام الدولية، رأى أن «حركة حماس تعتمد على فقدان المعلومات لدى العالم، في ظل الصور التي تظهرها شبكات التلفزة الأجنبية. وهم يريدون إشعال الضفة».
في الإطار، رأى وزير الاستخبارات والشؤون الاستراتيجية، يوفال شطاينتس، أن السؤال المطروح حالياً لا يتعلق بوقف النار «بل بنتائج عملية جيش الدفاع في قطاع غزة». وقال في حديث إذاعي إنه «لا مناص من سيطرة إسرائيل على القطاع لبضعة أسابيع أو أشهر حتى تجريده من السلاح».
وفي ما يتعلق بالهدنة الإنسانية، وصف شطاينتس الموقف الإسرائيلي بأنه خطوة تكتيكية تهدف إلى ترشيد عمليات تدمير الأنفاق وكسب المزيد من الشرعية للعملية العسكرية على الساحة الدولية. ولفت إلى أن الجيش أشرف على تدمير غالبية الأنفاق التي تخترق الحدود، مؤكداً أن الهدف من العملية على المدى البعيد يتمثل في جعل قطاع غزة «منطقة منزوعة السلاح».
كذلك، أكد وزير المال يائير لابيد، أنه «خلال الهدنة الإنسانية نواصل معالجة الأنفاق، ولم نتوقف، بل سمحنا لهم بجمع قتلاهم وتخزين الغذاء. وعندما يطلقون النار علينا نرد». وأكد لابيد أن «حماس» تعرضت لضربة لم تشهدها من قبل «لا في عملية الرصاص المصبوب ولا في عمود السحاب».
وفي موقف يكشف جانباً من الرهانات الإسرائيلية، لفت لابيد إلى أن الناس عندما يخرجون خلال الهدنة الانسانية «يفهمون حجم الفاجعة التي ألقتها عليهم حماس». وفي ما يتعلق بقادة الحركة، أكد الوزير أنه سيجري استهدافهم في حال خروجهم «من مخابئهم»، مشدداً على «مساعدة الولايات المتحدة إسرائيل في هذه الأيام، وخاصة في ظل الضغط الدولي». وذكّر بأن «الطائرات التي تقصف في غزة هي صناعة أميركية، ولولا واشنطن لما كانت هناك قبة حديدية».
رغم ما تقدم، وكما هي الحال في كثير من المحطات، يبقى وزراء إسرائيليون يغردون على إيقاع مختلف، ويتبنون مواقف مغايرة للنهج العام للحكومة، أكان ذلك بخلفيات تكتيكية أم نتيجة تباين في الرؤية والخيار الاستراتيجي الواجب اتخاذه. انطلاقاً من ذلك، رأى وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، وهو يميني متطرف، أن إسرائيل «موجودة في لحظة حسم تاريخي» لجهة أنه بات «من الممكن الحسم مع حماس وتجريدها من الصواريخ والأنفاق». ولفت بينيت إلى أنه «للمرة الأولى منذ سنوات، بات هذا الأمر في متناول اليد، ومن الممكن الحسم مع الإرهاب الإسلامي وجعل غزة مثل الضفة من دون معامل صواريخ، ومنصات إطلاق».
من جهة أخرى، ذكر الملحق الاقتصادي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن العملية العسكرية ضد غزة هي الأكثر كلفة لإسرائيل منذ الحرب على لبنان عام 2006، ولفت إلى أن كلفتها حتى الآن بلغت 12 مليار شيكل (أي نحو 3,5 مليارات دولار). وفي حال استمرارها أسبوعين إضافيين، فإن كلفتها ستكون أكبر من كلفة الحرب على لبنان آنذاك. ونقلت الصحيفة أيضاً، عن مصادر في وزارة المال الإسرائيلية، قولها إن الوزارة غير قلقة من هذه المعطيات وإن «السوق صامدة أكثر من أي وقت مضى وبمقدورها تحمل تكاليف الحرب والأضرار، وخصوصاً أن العجز أقل من المتوقع».
وكانت كلفة العدوان على غزة عام 2008 (الرصاص المصبوب) قد بلغت نحو 3,5 مليارات شيكل، فيما وصلت كلفة العدوان في 2012 (عمود السحاب) إلى نحو 50 مليون شيكل. وأضافت «يديعوت» إن الأضرار الاقتصادية كانت هامشية في العدوانين السابقين، لكن المتضرر الأكبر كان قطاع السياحة.
وفي ما يتعلق بتفاصيل الكلفة الاقتصادية للعدوان الحالي، أكدت الصحيفة أن كلفة كل جندي استدعي للاحتياط تبلغ «نحو 600 شيكل»، إضافة إلى الاستخدام الواسع لمنظومة القبة الحديدية، «إذ تقدر تكلفة كل صاروخ بـ 120 ألف دولار».
في المجمل، نقلت الصحيفة عن مصادر أمنية أن الكلفة اليومية للجيش في العدوان على غزة هي 150 مليون شيكل (43 مليون دولار)، فيما تقدر المالية الكلفة اليومية للجيش بـ 100 مليون شيكل. وأكدت «يديعوت» أن الكلفة تقارب 3 مليارات شيكل، «وذلك لا يشمل تزويد الجيش بمخزون أسلحة متجدد». كما من المتوقع أن تطالب وزارة الدفاع بزيادة في ميزانيتها تقارب 5 مليارات شيكل.
وبشأن المتضرر الأكبر في هذا العدوان، قطاع السياحة، تقدر الأضرار اليومية للسوق الإسرائيلية بـ 100 مليون شيكل (28.5 مليون دولار تقريباً)، وملياري شيكل (584 مليار دولار تقريباً) منذ بدء العدوان... ويقدر «تقلص النمو» في السوق بنحو 0.4 في المئة، أي ما يوازي 4 مليارات شيكل (مليار و168 مليون دولار تقريباً).
وخلصت الصحيفة إلى التقديرات الآتية: مصاريف الجيش ستصل إلى 3 مليارات شيكل، والأضرار في الصناعة والتجارة تقدر بمليار شيكل، أما الخسارة في النمو فتقدر بـ 4 مليارات، فيما الأضرار في قطاع السياحة تقدر بمليار، والأضرار الاقتصادية غير المباشرة تقدر بـ 2 مليار شيكل، ومصاريف السلطات المحلية الطارئة تقدر بمليار أيضاً.
في سياق متصل، وبعد الانتقادات الشديدة في إسرائيل لاقتراح وزير الخارجية جون كيري، لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة، أعرب مسؤول أميركي عن رفضه للانتقادات الإسرائيلية، وأضاف لصحيفة «معاريف» رداً على الادعاء الإسرائيلي إن كيري تبنى مبادرة قطرية، بالقول: «لا يمكن تسمية الاقتراح خطة كيري، لأن مضمونه يعتمد على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار التي وافقت عليها إسرائيل. كما تعتمد أيضاً على اتفاق 2012 الذي يشمل فتح المعابر الذي وافقت عليه إسرائيل».
أما عن الدور القطري والتركي، فتابع المسؤول: «تركيا هي دولة إقليمية مهمة ومؤثرة. أما بالنسبة إلى قطر فإن الولايات المتحدة تؤمن بأن لديها تأثيراً على حماس، وهي تحتاج إلى هذا التأثير من أجل التوصل إلى تسوية. لكن في المقابل، واشنطن ليست سعيدة من كون قطر تدعم حماس مالياً». وأوضح المسؤول أن بلاده على استعداد لتحويل مساعدات إنسانية إلى غزة بقيمة 47 مليون دولار لإعادة بناء القطاع إذا تحقق الاتفاق.