ثلاثة أعوام مرت على انتشار مرض «طاعون الصبّار» في الجنوب، كما يحلو للأهالي تسميته، ولم يسترع الأمر أي اهتمام يُذكر! لم يكافَح المرض، فتفشى وقضى على معظم أشجار الصبار الجنوبي، حتى خلت بعض القرى من هذه «الأشجار القديمة قِدم وجود المزارعين»، كما يقول المزارع حسن حيدر من بلدة عيترون، موضحاً أن «المرض انتشر بكثافة في قرى بنت جبيل، حتى اختفت فاكهة الصيف اللذيذة من الأسواق». انقرضت أشجار الصبار، بعد يباسها، من بعض القرى الجنوبية، وعمد بعض المزارعين الى جرف هذه الأشجار من حقولهم خوفاً من المرض «الغريب». منذ عامين، لجأ أهالي بلدة الغندورية إلى جرف جميع أشجار الصبار من بلدتهم دفعة واحدة، فقد انتشرت شائعة حينها أن المرض «يؤدي الى إصابة الأهالي بالطاعون، فعمد عدد كبير من المزارعين حينها الى جرف الصبار أو حرقه»، بحسب ممثل وزارة الزراعة في بنت جبيل حسين السقا، الذي أحال مشكلة انتشار المرض الى «عدم وعي المزارعين وإهمال معظم البلديات التي تسلمت العلاج المكافح للمرض العام الماضي، ولم توزعه على المزارعين»!
يشرح السقا أن «المرض بدأ بالانتشار منذ عامين ونصف عام في منطقة النبطية، وانتقل سريعاً الى بنت جبيل ومرجعيون، لينتشر بسرعة كبيرة العام الجاري، نتيجة ارتفاع الحرارة وعدم تساقط الثلوج، فالصقيع يسهم في تجميد انتشاره»، ما أدى إلى إصابة «90% من أشجار الصبار في المنطقة بالمرض واليباس».
يفسر المهندس الزراعي سليم مراد «انتشار المرض بهذه السرعة بانقراض العدو الطبيعي لحشرة القرقماز، التي تجتاح أشجار الصبار وتتكاثر بسرعة عند اشتداد الحرّ، وتختفي في جذع الشجرة في فصل الشتاء». «المبيدات الكيميائية باتت موجودة، لكن يجب رش الصبار بها لأكثر من مرة في العام، ولا سيما في فصل الربيع، وهذا لم يحصل»، يؤكد مراد، لافتاً إلى «ضرورة اتباع طريقة المكافحة الجماعية، فما يحصل هو أن بعض المزارعين يعمدون الى معالجة المرض، ليعود إلى الانتشار مجدداً، وعلى نحو سريع نتيجة العدوى». من جهته، رأى السقا أن «الأدوية الكيميائية قد لا تنفع في معالجة المشكلة اذا تأخر المزارعون في استخدامها؛ حتى إن طريقة رش المبيدات تحتاج الى خبرة وتدريب وآلات معينة، وهذا يحتاج الى جهود الوزارة والبلديات، وفق خطة علمية شاملة لمكافحة المرض».
يقول مراد إن «هذا المرض يصيب الصبّار لأول مرة في لبنان، وهو بسبب حشرات «المنّ القطني» البيضاء التي تملّح ألواح الصبار وحباته، وتؤدي الى جفافه ويباسه». تصبح الحشرات هذه دماءً حمراء عند مسحها أو لمسها، وتسمى القرمزية، وهي تحيط نفسها بشرانق بيضاء ناعمة، يشرح مراد، مرجحاً أن المناخ الحار هو السبب الرئيسي لوجود هذه الحشرات، التي تمتصّ المياه من ألياف الصبّار، وتؤدي الى جفافها والقضاء عليها اذا لم تكافح.

معظم البلديات
تسلمت العلاج العام الماضي ولم توزعه
تعتمد وزارة الزراعة على مبيد «الزيت الشتوي» للقضاء على هذه الحشرات، لكن مراد يشير الى وجود أكثر من مبيد لمكافحة المرض شرط، استخدامه «على نحو متكرر وفي أوقات محددة، وعلى نطاق شامل، وبطريقة ملزمة لجميع المزارعين».
يشير مصدر في وزارة الزراعة في حديث لـ«الأخبار» إلى أن «الوزير السابق حسين الحاج حسن كان قد باشر خطة عملية لمكافحة المرض وغيره من الأمراض الزراعية، فعمد الى توزيع المبيدات العام الماضي على البلديات، لكن توزيع هذه المبيدات لم يحصل كما هو مقرر، حتى إن كثيراً من الأدوية انتهت صلاحيتها، وهي تقبع في مخازن البلديات». «الوزير الحالي لم يتابع هذه الملفات»، يتابع المصدر، محذراً من أن «زراعة الصبار شارفت على الانقراض، وهذا ما سيحصل لاحقاً لاشجار الزيتون اذا ما استمر إهمال مكافحة الأمراض الخطيرة التي تتعرض لها هذا العام، كأمراض عين الطاووس، و«عكس الزيتون» الذي يصيب الزهر والحبوب فتتساقط في أيلول، إضافة الى المرض الناجم عن ذبابة الزيتون، وفراشة الياسمين التي تأكل الأوراق». يُشار إلى أن عشرات المزارعين كانوا يعتمدون في معيشتهم على إنتاج الصبار، واعتادوا زرعه في أماكن بعيدة من حقولهم، وعلى حدودها، حماية لها؛ فضلاً عن أن الصبار لا يحتاج إلى العناية أو الري.