أمام هول الجرائم التي يرتكبها الصهاينة في غزّة، وجد بعض الإعلام الأجنبي نفسه مرغماً على التراجع عن إصراره على حجب الحقيقة والتلاعب بها. الانعطافة الأبرز كانت مع «مجزرة الشاطئ» التي أودت بحياة أربعة أطفال من عائلة بكر (الأخبار 18/7/2014) كانوا يلهون بالقرب من فندق «الديرة» حيث يقيم صحافيون أجانب.
القصف الثالث الذي طاول مدارس «الأونروا» خلال هذه الحرب، شكل نقطة تحوّل ثانية في أداء وسائل الإعلام الغربية بعدما حصد أوّل من أمس 17 شهيداً وعشرات الإصابات الخطيرة في جباليا (شمال). مجزرة لم يستطع الناطق الرسمي باسم «الأونروا»، كريس غانيس، التماسك وهو يتحدّث لقناة «الجزيرة» عنها. «حقوق الفلسطينيين وأطفالهم مهدورة بالجملة، وهذا مروّع»، قال غانيس قبل أن يجهش بالبكاء ويصعب عليه الكلام، ليشكره المضيف وينهي مداخلته. هذا المشهد، وجد طريقه إلى مختلف المؤسسات الإعلامية الأجنبية، أبرزها صحيفة «هافنغتون بوست» الأميركية والـ«تلغراف» البريطانية.

وضعت الـ«غارديان»
أمس العالم
أمام عاره!

آثار «مجزرة الأونروا» على أداء الإعلام الغربي (الأميركي والبريطاني) بدت واضحة، وخصوصاً في عدد الـ«غارديان» أمس. خصصت الصحيفة غلافها لإظهار «تأييدها» للفلسطينيين في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، عبر صورة لفتاة فلسطينية تبكي أثناء معالجة الجروح التي أصيبت بها جرّاء الغارة، كما عنونت: «العالم يقف أمام عاره».
صحيح أنّ دايفيد كيركباتريك كتب في «نيويورك تايمز» رأيه حول وجود تواطؤ بين الدول العربية على «حماس» والفلسطينيين، إلا أنّ الصحيفة الأميركية أفردت غلافها أوّل من أمس لصورة تظهر أشخاصاً يبكون أثناء دفن أحد الجنود الإسرائيليين، مساويةً في العنوان بين الإسرائيليين والفلسطينيين (الموت والمعاناة يمطران على إسرائيل وغزّة).
وبعدما تحدثت عن الخسائر التي تكبّدها الفلسطينيون من «مجزرة الأونروا»، نشرت «واشنطن بوست» رسماً بيانياً بعنوان «الأطفال يدفعون ثمناً باهظاً في غزّة» ضمن المقال الذي كتبه سودارسان راغافان حول استشهاد 11 فرداً من عائلة واحدة في قصف منفصل في جباليا أيضاً.
في المقابل، يبدو أنّ الإعلام الفرنسي مصرّ على ادعاء العمى. مراسل قناة «فرانس 24» الرسمية كريس مور، مثلاً أعد تقريراً يلمّع صورة جيش الاحتلال ويصوّر «بطولاته» على الأرض، إذ ذهب برفقة عناصر في الجيش الإسرائيلي إلى نفق حيث يخبرنا أحدهم عن «المعارك التي يخوضونها للقضاء على الإرهاب». وفي النهاية، يؤكد مور أنّ الهدف من تقريره هو التأكيد للعالم أنّ هذه الأنفاق «تستخدم للدخول إلى الأراضي الإسرائيلية وتنفيذ عمليات عسكرية».
من جهتها، أشارت صحيفة «لو موند» إلى أنّ مباني الأمم المتحدة صارت أهدافاً دائمة للغارات الإسرائيلية، لكن من دون انتقاد العدو، مشددةً على أنّ على أهالي غزّة «التبرّؤ من الإرهابيين». في السياق، تبنّت «لو فيغارو» وجهة النظر الإسرائيلية، مصرّة على أنّ العدوان يهدف إلى «تدمير أنفاق «حماس»، وأنّ الأخيرة تبادر دائماً إلى خرق الهدنة».
مع زيادة الهستيريا الإسرائيلية جرّاء صمود غزّة بأهلها ومقاومتها، يبدو أنّ الرؤية أخذت تنقشع أمام جزء من الإعلام الغربي، فهل يشمل ذلك الجميع قريباً؟