«وينو البابا.. شو ما بدو يجي من الخدمة. من بعد العيد ما شفناه». لا يتوقف علي مشيك (5 سنوات) وشقيقته فاطمة (4 سنوات) عن السؤال عن والدهما عباس. ليس لديهما تفسير لدموع والدتهما، التي لا تملك إجابة. عباس مشيك العريف في قوى الأمن الداخلي، أحد الرهائن الذين يحتجزهم المسلحون، الذين اقتحموا فصيلة درك عرسال قبل عشرة أيام، «يتيم الأب والأم، وهو المعيل الوحيد لعائلته»، تقول زوجته زهراء بحرقة، وهي تضم ولديها بشدة إلى حضنها. منزل العريف المخطوف يغصّ بأبناء بلدته، وبالأقارب والجيران من القرى المجاورة.
خاله علي مشيك ليس في جعبته الكثير ليتكلم عنه. تعلق الغصّة في حنجرته، «ما عنا شي نقولوا غير مطالبة هيئة العلماء المسلمين والحكومة وسعد الحريري بإعادة أبنائنا المخطوفين جميعاً، من دون استئناء، ومن أية عائلة أو منطقة كانوا».
ليس بعيداً عن قرى بيت مشيك، منزل الجندي محمد حمية في بلدة طاريا. المشهد يكاد يكون نفسه. والد العسكري المنتسب حديثاً للجيش، معروف حمية، الذي حافظ على رباطة جأشه، قال لـ «الأخبار» إن الشباب المخطوفين «لم يكن وجودهم في عرسال إلا من أجل الذود عن وطنهم وأهلهم وناسهم، وفي سبيل العيش الكريم»، مشيراً إلى ان «عودة الرئيس سعد الحريري تدعو إلى التفاؤل بعودة أبنائنا، ونطالبه بأن يصل المكرمة الملكية للمؤسسة العسكرية، بمكرمة وطنية عمادها فك حجز وأسر أبناء بلدك»، كما طالب هيئة العلماء المسلمين بالعمل بقوله تعالى «وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولا»، ذلك «أنكم وعدتم منذ البداية بالإفراج وتحرير أبنائنا وكل الأمل بنجاح مسعاكم».

هيئة العلماء تتواصل مع
وسيط سوري والمخطوفون موزّعون بين «النصرة» و«داعش»


إلى بلدتي حام ومعربون في أعالي السلسلة الشرقية، حيث عائلة كل من المحتجزين في قوى الأمن الداخلي العريف أحمد عباس (حام) والرقيب مدين حسن. الوجوم يخيم على البلدتين، ويؤكد محمد حسن (والد مدين) «نحن لن نهدأ ولن نكلّ من قطع الطرقات والخطوات التصعيدية، ما لم يجرِ تحرير أبنائنا جميعاً»، داعياً الى ألا يذهب المخطوفون «ضحية السياسة»، فـ «أولادنا أولاد الدولة، وهم خطفوا من مراكزهم الأمنية. فلتتحمل الدولة مسؤولياتها سريعاً من أجل الإفراج عنهم».
أبناء بلدات طاريا وقرى بيت مشيك وقصرنبا وحام ومعربون والخريبة وبعلبك وصولاً حتى اللبوة، الذين جمعتهم مصيبة اختطاف أبنائهم في أحداث عرسال الأخيرة، جمعهم على مدى اليومين الماضيين اعتصامان تداعيا إليه في دورس ـــ بعلبك أول من أمس، وبالقرب من تعاضد الجيش في رياق أمس. اتحدوا أيضاً على «المطالبة بإبعاد قضية أبنائهم عن البازار السياسي والأزمة السورية»، وعلى أنهم «ليسوا هواة قطع طرقات على أهلهم وناسهم»، وأن هدفهم من التحرك «رفع الصوت لمطالبة الحكومة، ممثلة برئيسها ووزرائها وقيادة الجيش وحتى أهالي عرسال، بضرورة الإسراع في الكشف عن مصير أبنائنا وإعادتهم إلى أهاليهم وعائلاتهم، حتى يلتئم جرحنا وجرح الجيش، وحتى يقطع دابر كل المصطادين في الماء العكر».
وعلى صعيد المحتجزين العسكريين من جيش ودرك لدى المجموعات المسلحة في المعارضة السورية، علمت «الأخبار» من مصادر عرسالية، أن وفد العلماء المسلمين ممثلاً بالشيخين سميح عز الدين وحسام الغالي تابع قضيتهم من بلدة عرسال، على مدى اليومين الماضيين، «عبر وسيط سوري تمكن من الاجتماع والتواصل مع أكثر من فصيل مسلح» (لأن المخطوفين موجودون لدى أكثر من مجموعة مسلحة)، من دون التمكن من معرفة نتيجة تلك الاتصالات»، إلا أن مصادر أخرى مطلعة أوضحت لـ «الأخبار» أن ملف التفاوض على إطلاق المحتجزين العسكريين من جيش ودرك، «يحتاج إلى بعض الوقت»، كاشفاً أن المخطوفين «ليسوا مع جهة واحدة»، وأن ثلاثة عسكريين من الجيش و17 دركياً موجودون لدى «جبهة النصرة»، و«التفاوض معها أسهل، ومن الممكن التوصل إلى حل وإطلاقهم، ولكن بدها شوية وقت»، بحسب المصادر. أما بقية المخطوفين، ويرجح أنهم سبعة أو ثمانية، فموجودون لدى «داعش»، التي يعدّ التفاوض معها صعباً «ويحتاج معهم إلى المزيد من الوقت».
وفي عرسال، وصلت حصيلة الشهداء الذين قضوا دفاعاً عن المراكز الأمنية، أو خلال المعارك بين الجيش والمسلحين الى 16، وإلى نحو 100 جريح، فيما واصل الجيش تعزيز نقاطه العسكرية بالآليات ومرابض المدفعية والدبابات في كل من رأس السرج ووادي الحصن ووادي عطا ووادي الرعيان ووادي حميد وعقبة الجرد، إلا أن اللافت تمثل في نقل التعزيزات العسكرية إلى تلك النقاط الأمامية والمتقدمة، بالمرور في ساحة وشوارع البلدة الرئيسية، حيث نثر عليها الأهالي الورود والأرز.
من جهة أخرى، عثر الجيش في موقع تلة الحصن التي سيطر عليها المسلحون في بداية المعركة، بعد إعادة تمركزه فيها، على جثة أحد جنوده «مدفونة في التراب»، كما أكدت مصادر مطلعة لـ «الأخبار»، مرجحة أنها تعود إلى العسكري س. م. وقد نقلت الجثة إلى مستشفى دار الحكمة في بعلبك.
الى ذلك، أكدت فاعليات بلدة عرسال وقوفها الى جانب الجيش والقوى الامنية «في بسط سلطة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية، ولا سيما عرسال وجرودها، لمنع تكرار ما حصل خلال الايام الماضية». ولفت بيان صدر اثر إجتماع عقده رئيس البلدية علي الحجيري وعدد من مخاتير وفعاليات البلدة إلى أن «ما حصل في عرسال نوع من الانزلاق السياسي لبعض الاخوة السوريين، وعدم الوفاء ونكران الجميل من البعض الآخر، وعدم الوفاء لعرسال واهلها والجيش اللبناني ولكل لبنان، بل عدم الوفاء للنازحين السوريين الاطفال منهم والنساء». وشدد المجتمعون على أنه «استكمالاً للخروج من الازمة الراهنة لا بد من إعادة ترتيب مخيمات النازحين السوريين، على ان تكون خارج نطاق بيوت اهالي عرسال»، وان على «قوى الجيش ان تتمركز داخل عرسال وخارجها، وان تعمل بمؤازرة أهل عرسال وبلديتها على منع أي مظهر مسلح وقمعه بالقوة، كما يجب التخلص من أي مظاهر مثيرة للشبهات كالسيارات الداكنة الزجاج (الفيميه) وغير ذلك». وطالبوا «القوى الأمنية والقضاء، بالعمل على حل كل المشاكل الامنية البسيطة لبعض الشباب العرسالي، لمنع دفعهم الى أحضان الجماعات الأصولية على قاعدة انهم مستهدفون من الدولة اللبنانية واجهزتها الامنية»، كما طلبوا من «ابناء عرسال القادرين على التواصل مع من يحتجزون العناصر الامنية وعناصر الجيش، العمل على الافراج عن هؤلاء العناصر واعادتهم الى ذويهم».