في منتصف السنة الرابعة من الحرب التكفيرية الإرهابية ضد سوريا والعراق، وافقت الدول الأطلسية على قيام مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار (رقمه 2170) يدين منظمتي «داعش» و«النصرة» وأعمالهما الإجرامية في البلدين المستهدَفين. وهو ما كانت روسيا والصين تسعيان اليه منذ وقت طويل، وثابر السوريون على المطالبة به منذ 2011.
صدر القرار بالإجماع، وصاغته البعثة البريطانية. وهي مفارقة؛ فالاستخبارات البريطانية، بالذات، هي المتهمة بإعداد التصوّر الاستشراقي لـ «داعش»، سواء لجهة الدمج بين العصبية القبلية والدينية أو لجهة حدود الدولة البدوية ــــ النفطية الممتدة عبر سايكس بيكو؛ هذه المغامرة في استعادة التجربة التاريخية السعودية التي قامت على تحالف آل سعود ( من عنزة) والحركة الوهابية ــــ أقدم الحركات التكفيرية الإرهابية في المنطقة ــــ واصطبغت بالعنف الدموي، وانتهت إلى تأسيس دولة قروسطية محدثة، رعاها البريطانيون، قبل أن تغدو الحليف الرئيسي الثابت المخلص للإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فكرة استحداث كيان جديد كالكيانات الخليجية، وتوسع مجلس التعاون الخليجي على حساب المشرق، هي الإطار الملهم لرعاة «داعش». ولذلك، فإن تأكيد القرار الدولي 2170 على وحدة وسلامة أراضي سوريا والعراق، ليس مما يُستهان به. وهو يمثّل انجازاً للدولتين، سوى أنه، بالنسبة للعراق، فإن دستور بريمر (الحاكم الأميركي للعراق المحتل) الساري المفعول، يسمح بقيام إقليم سني عراقي، في إطار الوحدة الشكلية التي تضم كردستان وسنستان وشيعستان.
«داعش» التي حققت انجازات متتالية على الأرض، مستفيدة من الدعم الدولي (الأطلسي ) والإقليمي (الخليجي ــــ التركي)، ومستخدمة أسلوب الصدمة والرعب، حصلت على غنائم من المال والسلاح في الموصل، مكنتها من المزيد من القوة والاستقلالية، وتخطت حدودها في اتجاه ضم كردستان العراق، بالإضافة إلى المناطق الكردية في سوريا، إلى خريطتها. وهو ما استدعى تدخلاً أميركياً محدوداً وجراحياً هو أقرب إلى رسالة تحذير لـ «داعش»، أكثر منه الشروع في محاربتها فعلاً؛ فما تزال هناك قناعة لدى واشنطن وحلفائها الإقليميين بإمكانية ضبط حركة «داعش» كأداة لإعادة تشكيل البنية السياسية العراقية واللبنانية، واضعاف الدولة السورية واخضاعها، وتوجيه ضربات للنفوذ الإيراني في سياق التفاوض مع طهران. وهي قناعة تتصف بالسطحية والغرور؛ كأن رعاة «داعش» لا يدركون أيّ وحش ذلك الذي أطلقوه في بيئات خصبة للغاية؛ وحش تمتد أطماعه إلى كامل الإقليم الجيوسياسي المفتَرض لـ «داعش»، بما في ذلك مناطق واسعة مكمّلة في دول حليفة للولايات المتحدة؛ الأردن والسعودية وتركيا.
أدان القرار 2170، «داعش والنصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة» ولم يذكر نظيرتها ــــ غير المرتبطة بالقاعدة ــــ من التنظيمات التكفيرية الإرهابية في سوريا والعراق. وهذا يعني أن تلك التنظيمات لا تزال تحظى برعاية رسمية، سواء باعتبارها قوى «معارضة» سورية أم باعتبارها تعبيراً عن الطائفة السنية في العراق.
الموقف الفعلي للقوى الإقليمية المنخرطة في الحرب على سوريا والعراق، من القرار 2170، كشفه نائب المندوب الأردني الدائم لدى مجلس الأمن، محمود الحمود؛ فهو رحب بالقرار، لكنه عقّب عليه بالإشارة الصريحة التي تربط بين مكافحة الإرهاب ــــ وهي، بالأساس، مهمة غير مشروطة في القرار الدولي نفسه ــــ وبين التأكيد على أن «الطائفة السنية في العراق تشكل مكوناً أساسياً في أي عملية سياسية شاملة تضم كافة مكونات الشعب العراقي». وهو ما يعدّ تدخلاً سافراً في الشؤون العراقية، وتأكيداً على المنظور الطائفي للصراع في العراق، لا على منظور أولوية مكافحة الإرهاب التكفيري. وإلى ذلك ينطوي هذا التعقيب على الاصرار على العلاقة مع تنظيمات طائفية مسلحة في غرب وشمال العراق، تعد حليفا موضوعيا لـ «داعش» كان الديوان الملكي قد عقد لها مؤتمراً في عمان في تموز الماضي.
وعلى رغم أن القرار 2170 ينص على رفض تبرير الإرهاب تحت أي مسمى، واصل الحمود تسويغ الأعمال المسلحة والإرهابية في سوريا، من خلال تأكيده على أن «الإرهاب جزء من الأزمة وليس سببها»، مدعياً أن «سياسات النظام السوري ولجوءه للحل الأمني في مواجهة المطالب المشروعة للشعب السوري، بالإضافة إلى تهميش المعارضة المعتدلة وقمعها، هي السبب الرئيسي للوضع الحالي»، مكرراً المطلب العقيم بـ «تشكيل حكومة انتقالية في سوريا». ويعني ذلك أن التصريحات الأردنية في مجلس الأمن ــــ والتي تعبّر، أيضا، عن السعودية والإمارات ــــ تعكس ميلاً متصلباً إلى تفسير متعسف للقرار 2170، يسمح، على الضد من نصه الحرفي، باستمرار تجنيد وتسليح وتمويل ودعم التنظيمات المسلحة الطائفية في سوريا والعراق. ولعل مصدر هذه الشجاعة في التمرد على قرار دولي، واضح في حقيقة موقف الولايات المتحدة التي أدمنت على استخدام القوى الإرهابية كأداة حربية في تنفيذ استراتيجياتها الجيوسياسية.
القرار 2170 شامل ودقيق ومهني في كل ما يتصل بإدانة تنظيمات «داعش» و«النصرة» و«القاعدة»، وتجريم التعامل معها تجارياً أو مالياً أو تسليحها أو السماح بتجنيد مقاتلين أجانب للعمل في صفوفها أو تقديم أي تسهيلات لنشاطاتها. وهو ما ينطبق حرفياً على تركيا التي تمارس كل تلك الممنوعات علناً؛ فهل ستلتزم تركيا بالقرار الدولي أم تعتبره حبراً على ورق، لا يبقى منه سوى الفصل السابع الذي يتيح للولايات المتحدة التدخل العسكري في سوريا؟
هل ينبغي إهمال القرار الدولي ضد «داعش» و«النصرة»؟ كلا؛ فهو انجاز سياسي يُبنى عليه، ومحل صراع دبلوماسي وسجال وإطار للقيام بالتحشيد ضد الإرهاب ورعاته.