استدعى الكلام الذي أطلقه كاهن رعية الشيّاح المارونية مطلع الاسبوع الماضي، وردّ خطيب مسجد سيف الدين طينال في طرابلس الشيخ عبد القادر عبدو (أبو إبراهيم) عليه، استنفاراً على أكثر من مستوى، خشية أن يؤدي انفلات المواقف المتشنجة إلى تطورات لا تحمد عقباها.
فخلال كلمة ألقاها مخلوف لمناسبة مرور ذكرى أسبوع على استشهاد العقيد في الجيش اللبناني داني حرب ورفيقه النقيب داني خيرالله، اللذين سقطا في معارك عرسال الأخيرة، شنّ مخلوف هجوماً لاذعاً على تنظيمي «داعش» و«النصرة»، ومن ناصرهما ومدّهما بالدعم، متعرّضاً للحاهم بعبارات غير مألوفة. (قال: «كل اللحى تبع داعش والنصرة ومين شد ع مشدن، ومين لف لفن، ما بيصلحوا يكونوا فرشاية حتى أزغر عسكري في الجيش اللبناني، يفرشي الرنجر تبعو»).
كلام مخلوف دفع المرجعية الدينية التي يتبع لها إلى تأنيبه على ما صدر عنه، كذلك فإن مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو كسم رأى أن «هذا الكلام مناف للمسلك الروحي العام ولكل أدبياته، وندين هذا التصرف، ونتمنى عدم الرد على الإساءة بالإساءة، حفاظاً على المودة بين أبناء الوطن الواحد والديانتين الكريمتين في هذه الظروف».
كان يفترض أن ينتهي الأمر عند هذا الحدّ، لولا قيام خطيب مسجد طينال في طرابلس الشيخ عبدو بالرد على مخلوف يوم الجمعة الماضي، في خطبة رفع فيها «أبو ابراهيم»، المحسوب على جماعة «أهل الدعوة»، خطاب التوتر عالياً.
(قال أبو إبراهيم في خطبته: «لو جمعتم لحى كل المطارنة والخوارنة لا يشرّفون جزمة مسلم واحد، وهذا الكلام عن اللحى تحقير لسنّة رسول الله. مسيحيّو لبنان بدأوا بالتكشير عن أنيابهم، وكلام كبرائهم كلام أبناء شوارع»).
كلام عبدو جاء الرد عليه من جهتين؛ الأولى من دار الفتوى والثانية من نواب ووزراء طرابلس. فعلى المستوى الأول أكد مدير عام الأوقاف الإسلامية في دار الفتوى الشيخ هشام خليفة رفضه «رفضاً قاطعاً» خطبة الشيخ عبدو، معتبراً إياها «غير لائقة»، وأن عبدو «لا يمثل إلا نفسه، ونحن لا نرضى بهذا المستوى، ونتمنى على الجميع احترام الأديان كافة»، معتبراً أنه «يجب أن تتخذ دار الفتوى إجراءً مناسباً بحقه».
أما الرد الثاني فجاء من قبل نواب ووزراء طرابلس، الذين لم يتورّع بعضهم عن التحريض المذهبي بذريعة عدم السماح للمتشددين بجرّ الشارع نحوهم». وعبّر نواب طرابلس ووزراؤها، في بيان مشترك لهم نادراً ما صدر مثله عنهم، عن استغرابهم لـ«الخطاب الطائفي الذي طغى في الأيام الأخيرة بين فعل وردّ فعل». ودعوا التيارات السياسية والمرجعيات الدينية ووسائل الإعلام والمواطنين إلى «العمل كل في موقعه على ضبط الخطابات السياسية والمواعظ الدينية، وعدم الإسهام في إذكاء نار الفتنة».
ورأى نواب ووزراء المدينة أن «بعض الخطاب أطلّ من منابر دور العبادة بما لا يليق، وتجاوز أصول الدعوة من الاستعانة بالحكمة والموعظة الحسنة، أو بالدفع بالتي هي أحسن». وأكدوا أن طرابلس «تأبى كل خطاب طائفي أو ظاهرة تطرف، لأن ذلك يتناقض مع تاريخها وتراثها العظيم النابع من القيم السماوية»، مشددين على أن المدينة «كانت في أحلك الظروف جامعة لكل الطوائف والملل، وتحترم العقود والعهود وتحفظ الجيرة وكل الحرمات».
مصادر إسلامية أوضحت لـ«الأخبار» أن «الكلام الذي صدر عن الطرفين خطير»، معتبرة أنه «يدل على وجود أجواء احتقان وتشنج وخطاب طائفي غير مريح، وفعل من طرف، من كلام غير مقبول، وردّ فعل من طرف آخر غير مقبول أيضاً». ولفتت إلى أن بيان نواب ووزراء طرابلس «هو انعكاس للحرص على استقرار المدينة ونجاح الخطة الأمنية فيها». وأبدت المصادر خشيتها من «وجود أمر ما يدبر لطرابلس»، معتبرة أنه «ليس بريئاً ولا صدفة تسليط الضوء على أجواء التطرف في طرابلس في غضون أيام قليلة، ليؤكد ذلك دمغها بطابع الإرهاب، من نزع البلدية إعلانات البيرة فيها، وما أشيع حول منع مسلحين تجار سوق الصاغة من بيع صلبان وأيقونات مسيحية، وأخيراً خطبة أبو إبراهيم». وفي حين انتشرت دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاعتصام قبل ظهر اليوم أمام مسجد طينال، رفضاً لما أشيع عن استدعاء دار الفتوى أبو إبراهيم بسبب خطبته، توقعت المصادر أن «تتخذ دار الفتوى، ووزارة الداخلية إذا لزم الأمر، قراراً بتأنيب أبو إبراهيم، كما حصل مع مخلوف، وتنتهي القضية هنا».