في تسرعه المستميت لإصدار الإفادات لطلاب الشهادات الرسمية وقوننتها، أعدم وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب، ومعه السلطة السياسية بكل مكوناتها، أي احتمال لإعادة النظر في القرار وإنقاذ الشهادة الرسمية.
قد يكون صحيحاً أن هيئة التنسيق النقابية بدت مرتبكة في حسم خيار العودة إلى التصحيح، بعدما سدت كل المنافذ أمامها، وغابت الضمانات بإمكان عقد جلسة تشريعية لإقرار الحقوق في سلسلة الرتب والرواتب، إلاّ أن الصحيح أكثر أن الوزير اعتمد في الأيام الأخيرة الشعبوية والتهويل الإعلامي بذريعة الحفاظ على مصلحة الطلاب، محاولاً تسجيل انتصارات وهمية على هيئة التنسيق ذات مضمون فارغ، بما أنّ الإفادات لم تسلك واقعاً الطريق إلى التنفيذ، ولا حتى بالنسبة إلى الطلاب الذين يرغبون بمتابعة دراستهم في الخارج.
هنا في وزارة التربية، الإرباك سيد الموقف. لم يصل الموظفين أي قرار تنفيذي بالإفادات موقّع من الوزير، فالوزارة تنتظر رأي مجلس شورى الدولة لتضيفه إلى قرار «التفويض» الصادر عن مجلس الوزراء. أمس، لم تهدأ الهواتف في مكتب الوزير وفي دائرة الامتحانات الرسمية. الجميع يسأل عن الإفادات التي تحدث عنها بو صعب قبل يوم واحد، بعيد اجتماع لجنة التربية النيابية حين قال: «البارحة بدأ العمل بالإفادات وبدأنا نسفّر طلاباً، أصدرنا أوراق فيزا للبعض، وبالتالي لم نعد نستطيع التراجع إلى الوراء». ما قاله الوزير لا يتطابق مع الحقيقة في الوزارة.

ينطوي قرار
الإفادات على ثغر يمكن البناء عليها للطعن
الموظفون هنا يطلبون من المتصلين تسجيل أسمائهم وأرقام هواتفهم لدى دائرة الامتحانات التي سترفعها بدورها إلى المدير العام للتربية وهو سيتصرف. «الأخبار» علمت أن الأمر لا يتعدى كتاب توصية أو اتصال شخصي يجريه الوزير بهذا السفير أو ذاك لتسيير الأمور. وهنا طرح سؤال ما إذا كانت التوصية ستطاول كل الناس أم المحظيين منهم فقط. هناك أيضاً من حضر شخصياً إلى مقر الوزارة للمراجعة بالأمر. أحدهم وصل برفقة ابنه والقلق يساوره من فقدانه فرصة التعليم في الخارج: «وين الإفادة؟ ابني مسافر الليلة إلى فرنسا، بدكن تساعدونا، شوفوا شو بدكن تعملوا». يجيبه الموظف: «سجّل الاسم والمدير العام يتصل بك لاحقاً». ثم يلتفت إلى أن وثيقة الترشيح تحتاج إلى مصادقة من المنطقة التربوية التي أجرى فيها الامتحان، ما يعني المزيد من الإرباك والتأخير».
لم يكن في حوزة موظفي الوزارة الكثير ليقولوه للطلاب وأهاليهم. هم أنفسهم لا يملكون معلومات عما سيحصل. يعرفون فقط أن الإفادات لم تطبع بعد ولن يأخذها الطالب قبل صدور القانون في مجلس النواب، باعتبار أن كل النماذج السابقة للإفادات تعتمد في حيثياتها على رقم القانون، إضافة إلى أن الطباعة تحتاج إلى اعتمادات مالية.
لكن ما نوع الإفادة التي ستصبح جاهزة مع بداية الاسبوع المقبل؟ كما صرّح المدير العام للتربية فادي يرق في حديث تلفزيوني. الاتصال بالمدير العام كان متعذراً أمس برغم محاولاتنا المتكررة لذلك، إلاّ أنّ أحد الموظفين استبعد أن يكون ذلك النموذج المعروف للإفادة، الذي يتضمن حيثيات معينة، وقد يكون المقصود ورقة لتسهيل تسجيل الطلاب.
وكان يرق قد لفت قائلا «يمكننا المصادقة على وثيقة القيد التي كانت بحوزة طلاب الامتحانات الرسمية»، مشيراً إلى أن «أي أحد مخول قانوناً أن يمثل الطالب للمصادقة على وثيقة القيد». وقال إننا «نستطيع أن نخرج بدلا من ضائع إذا فقدت وثيقة القيد».
المفارقة أنّ يرق أكد أننا اليوم «بصدد الإجراءات الادارية التي ستؤدي إلى إتلاف مسابقات الامتحانات الرسمية»، لكن هل يمكن أن يحصل ذلك قبل صدور القانون؟ ماذا يحصل لو ربحت الدعوى القضائية لإبطال قرار الإفادات؟ لماذا الاستعجال لإنهاء هذه العملية ما دامت الوزارة تحتفظ في الحالات العادية بالمسابقات المصححة بعد سنتين من صدور النتائج، باعتبارها وثائق رسمية؟ يقول الموظف إنّ المرسوم الذي سيصدر في مجلس الوزراء سيتضمن بنداً يرى أن الامتحانات غير موجودة ويدعو إلى إتلاف المسابقات. يعلّق: «لا معنى للاحتفاظ بأوراق الامتحانات، وخصوصاً أن الوزارة تتكلّف عليها الكثير، إذ تضعها في مدارس تسلط عليها التبريد 24/24 منعاً لتعرضها لحريق أو إتلاف، كما تستعين بموظفي حراسة تجنباً للسرقة».
في مجال آخر، فإن إعطاء الإفادات لجميع المتقدمين بطلبات الاشتراك للامتحانات دونه ثغر، نظراً إلى وجود عدد كبير من الطلبات الحرة، التي ازدادت هذا العام عند الحديث عن عدم إجراء الامتحانات، وقد وفد القسم الأكبر منهم، في الأيام القليلة التي سبقت الامتحانات، والشرط الوحيد هو الحق بالتقدم على أساس العمر 18 سنة دون أن يكون لديهم أي مستند يثبت دخولهم المدرسة سابقاً، وعند إجراء الامتحانات تغيب عدد كبير منهم. ويستفيد من الإفادة من لم يتقدم للامتحان، أي تقدم بطلب وتغيب، سواء أكان من الطلبات الحرة أو من المدارس. وسيحظى بها جميع التلامذة الآتين من سوريا، سواء شاركوا في الامتحانات أو لم يشاركوا، الذين وافق مجلس الوزراء على تمكينهم من المشاركة ولم يستكملوا المستندات المتعلقة بمعادلة صفوفهم، أو انتسبوا دون أي مستند، على أن تعلق نتائجهم جميعاً إلى حين ضم المستندات المطلوبة.
وتصبح شبه ملغاة المراسيم التي تنظم إجراء امتحانات المدرسة الحربية وشروط بعض الجامعات التي تطلب معدل 12/20 أو ما يزيد، وكذلك اتفاقيات لبنان مع عدد من الدول على إيفاد المستفيدين من منح جامعية، التي تشترط معدلات عالية أيضاً. فضلا عن ذلك، سيضيع حق التلامذة الذين ينافسون لنيل مراتب متميزة تتيح لهم فرصاً مستقبلية ومكافآت مالية (الأول على لبنان مثلاً). وماذا عن أكثر من 10 حالات غش ضبطت في الامتحانات وحوّلت إلى النيابة العامة؟
بعدما تعزز الاتجاه نحو اعتماد الإفادة، وصدور توصية عن لجنة التربية بوجوب إجراء امتحانات في الجامعة اللبنانية بكل كلياتها وفروعها، قرر مجلس وحدة كلية العلوم إجراء اختبار كفاية للطلاب حملة الافادات الراغبين في الانتساب إلى الكلية للعام الجامعي 2014 ــ 2015. وقد وافق رئيس الجامعة عدنان السيد حسين على القرار. ويجري الاختبار في فروع الكلية الخمسة، عند التاسعة من صباح السبت في 13 الجاري. ويسجل الطلاب اسماءهم في الفرع الذي يرغبون في متابعة الدراسة فيه لاحقا، خلال الفترة الممتدة من الأول من أيلول لغاية العاشر منه.
كذلك، قررت جامعة سيدة اللويزة إجراء امتحانات دخول للطلاب الجدد حاملي الإفادة، بما يسمح بتقويم كفاءتهم وقدرتهم على متابعة الدراسة. وقالت إنها ستدرس انعكاس الأوضاع الاقتصادية على الامكانات المادية للأهل، وكيفية تحديد الأقساط الجامعية في ضوء الزيادات وغلاء المعيشة.