حالما تقترب النار منه حتّى يتنبّه إلى الخطر. قاعدة بات بالإمكان تعميمها على الإعلام الأجنبي. في أيلول (سبتمبر) 2013، اكتشفت وسائل إعلام غربية «بشاعة الجرائم التي ترتكبها الجماعات المسلحة» في سوريا بعدما شهد صحافيون تابعون لها على إعدامات لموالين لنظام الرئيس بشار الأسد. أبرز هذه المؤسسات كانت مجلة «باري ماتش» الفرنسية، و الـ«تايم» الأميركية، وصحيفة «ديلي مايل» البريطانية.
في غزّة أيضاً، لم يرقّ قلب هذا الإعلام إلّا مع وقوع «مجزرة الشاطئ» بالقرب من فندق «الديرة» حيث يقيم الصحافيون الأجانب الذين أتوا لتغطية العدوان الإسرائيلي على القطاع.
اليوم، يتكرّر المشهد نفسه مع بعض الاختلافات. المكان هو سوريا أيضاً، غير أنّ الخطر الذي يستشعره المجتمع الدولي يتعلّق بـ«الدولة
الإسلامية».
كيف لا، والتنظيم الإرهابي أعدم أخيراً الصحافي الأميركي جايمس فولي (40 عاماً)، موثّقاً العملية بالصوت والصورة، في مشهد هوليوودي بامتياز؟

«رؤية» الكيل
بمكيالين كشفها ذبح الصحافي الأميركي


«ثار» العالم ولم يهدأ بعد هذه الجريمة. ثورة تجسّدت على صعد عدّة، أهمّها «الأخلاقيات» الإعلامية. صحيح أنّ الفيديو (4:40 دقائق) الذي حُمّل على يوتيوب مساء الثلاثاء الماضي أُزيل سريعاً عن الموقع الشهير، لكنه ما زال يُتداول بكثرة على الشبكة العنكبوتية. واقع دفع الشرطة البريطانية (اسكوتلاند يارد) إلى التحذير من أن مشاركة المقطع المصوّر قد يُعتبر جريمة وفق قوانين الإرهاب المعمول بها في البلاد.
وفي الوقت الذي أعلن فيه تويتر على لسان مديره التنفيذي ديك كوستولو عن سياسة جديدة تقضي بإغلاق الحسابات التي تنشر الفيديو أو صوراً تتعلّق بالحادث الأليم، تواجه الصحف الأجنبية انتقادات عنيفة بسبب طريقة تعاطيها مع الموضوع.
«نيويورك بوست» الأميركية تعتبر أهم مثال على ذلك، إذ خصصت غلاف عددها أوّل من أمس لصورة الصحافي المختطف في سوريا منذ 2012 أثناء إقدام الإرهابي ذي اللكنة البريطانية على قطع رأسه، مقرونة بعنوان عريض: «متوحشون: «داعش» يقطع رأس صحافياً أميركياً على
يوتيوب».
البلبلة الإعلامية التي أعقبت عرض الجريمة المصوّرة، ناقشها جايمس بول في صحيفة الـ«غارديان» البريطانية. قارن بول بين غلاف «نيويورك بوست» وذاك الذي نشرته «نيويورك تايمز» الشهر الماضي لجثة طفل فلسطيني، مؤكداً أنّ صورة «نيويورك تايمز» أثارت جدلاً خجولاً رغم قساوتها: «العالم يقف صامتاً أمام صور مئات ضحايا «داعش» في سوريا والعراق المنتشرة على السوشال ميديا، لكنه يهب لاستنكار ما حدث
لفولي».
«من الصعب عدم رؤية الكيل بمكيالين. مثل الكثير من الموهوبين، اختار فولي السفر إلى الشرق الأوسط، وكان يعرف المخاطر»، قال بول، مضيفاً: «لكن آخرين قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من منازلهم».
رغم أنّ نشر «داعش» لفيديو ذبح جايمس فولي جاء في خانة «بروباغندا البلطجة»، يبقى السؤال مطروحاً: هل يجب عرض مواد بصرية مشابهة لكشف الهمجية التي تُهددنا، أم التحفّظ من ذلك حفاظاً على «أخلاقيات» المهنة وآدابها؟