لأول مرة، منذ 2011، تمنع السلطات الأردنية تجمعاً مناوئاً للرئيس بشار الأسد أمام السفارة السورية في عمان. هل جاء المنع في سياق جديد للعلاقة مع دمشق أم، كذلك، بسبب التوتر الحاصل مع منظمي التجمع، أي «الإخوان المسلمين»؟ وهؤلاء، الذين ما يزالون يعتبرون اسقاط النظام السوري قضيتهم، انتعشوا قليلاً بفضل مقاومة «حماس» في غزة، وما حرّكته من عواطف شعبية، أخرجت «الإخوان»، نسبياً، من العزلة.
والمدهش أنه، على رغم تسرّب مداولات رسمية وشبه رسمية، حول اتجاه لحل التنظيم، فإن الحلقة القيادية المتشددة، داخل «الإخوان»، رفضت مساعي المصالحة مع المعتدلين، في ما بدا أنه قرار بالمواجهة حتى النهاية، ربما بالموازاة مع معركة المصير التي تخوضها «حماس» في غزة.
الشيء المشترك الباقي بين النظام والإخوان، أنهما، كلاهما، لا يزالان يتهربان من توجيه إدانة صريحة حازمة لـ «داعش». كلاهما يخطب ودّ «السلفيين الجهاديين» الذين يتكاثرون ويتجرأون في مناخ (1) فقدان الثقة بالنظام والاقتصاد والأمان، والتهميش والإفقار، (2) والتجييش الطائفي المستمر منذ ما يقرب الأربع سنوات ضد النظامين السوري والعراقي، (3) وما شهدته هذه السنوات من تواطؤ مع التكفيريين والإرهابيين، من جهة، والتورّط في تدريب وتجهيز مسلحين «معتدلين»، انضم معظمهم، لاحقاً، إلى «النصرة» أو «داعش».
يدّعي أحد قادة السلفية الجهادية، محمد الشلبي ( أبو سيّاف)، بأن تياره منقسم، تقريباً بالتساوي، بين «النصرة» و«داعش»؛ ادعاء لا يصمد أمام مشاهد التظاهر العلني المؤيد لـ «الدولة الإسلامية»، وانتشار أفكارها ومؤيديها خارج صفوف السلفيين الجهاديين التقليديين. لا يزال المسؤولون الأردنيون، رغم التقارير الغربية والإقليمية عن مخاطر تمدد «داعش» إلى الأردن، مطمئنين. ربما يعود ذلك إلى صلات سابقة وتفاهمات مع قيادات في التنظيم الذي برهن على أنه لا يلتزم باتفاقات؛ أفَلَم ينقلب سريعاً على بشمركة مسعود البرزاني ــــ الذين ساعدوه في الاستيلاء على الموصل ــــ ويبادر إلى تهديد أربيل؟
يغنينا رئيس الوزراء، عبدالله النسور، عن الوقوف عند المصاعب التي يعانيها الوضع المالي للحكومة الأردنية؛ فهو يصفه بكلمة واحدة بالقول إنه «بائس». بينما محاولات تحريك العجلة الاقتصادية تبوء بالفشل تباعاً. ولكن، حتى لو تحرّكت، فهل يمكن لارتفاع محدود في التحصيلات الضريبية الإضافية، انقاذ المالية العامة المثقلة بأعباء دين يكاد يقفز إلى الثلاثين مليار دولار؟
لا وظائف جديدة، ولا زيادات في الأجور تغطي الارتفاع المستمر في الأسعار، وفي مواجهة اضراب المعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد، اختارت الحكومة، تحمّل أعباء الإضراب على تحمّل الأعباء المالية لمطالب المعلمين.
المنح الخليجية المقررة (مليار وربع المليار دولار سنوياً) مخصصة، حصرياً، للإنفاق على مشاريع بنى تحتية متفق عليها؛ هل هناك أموال أخرى كما في الشائعات؟
وسط ذلك كله، تقرر، فجأة، السير في إجراءات تعديل في الدستور الأردني، يمنح الملك، حق تعيين رئيس هيئة الأركان العامة ومدير المخابرات العامة. بالأساس، كان الملك هو الذي يقترح، فعلاً، الرجلين اللذين يشغلان هذين المنصبين، إنما الحق الدستوري في تعيينهما هو لرئيس الوزراء، «صاحب الولاية العامة في الشؤون الداخلية والخارجية»، بمقتضى دستور يفصل، على الورق، بين المُلْك والسلطة؛ فالسلطة، دستورياً، هي لمجلس الوزراء المسؤول أمام البرلمان. لذلك، وقف الخبراء الدستوريون، كالدكتور محمد الحموري، ضد التعديل الذي يمنح الملك، صلاحيات تنفيذية، ما يتعارض، جوهرياً، مع البنية الفقهية للدستور الأردني.
في التجربة الفعلية للحكم منذ 1957، وحتى الآن، احتفظ الملك، واقعياً وليس دستورياً، بسلطة كاملة في ثلاثة شؤون، العسكرية والأمنية والسياسة الخارجية. وفي عهد الملك عبدالله الثاني، توسّعت سلطات الملك الفعلية إلى الشؤون الاقتصادية أيضاً. ومع ذلك، حرص الأردنيون على دستورهم، وعملوا على تطويره إلى أن تتولد الظروف المناسبة لتطبيقه، نصاً وروحاً.
السؤال السياسي الجوهري المطروح هنا، إذاً، هو الآتي: ما الداعي للقيام الآن بتحويل صلاحيات الملك الفعلية إلى صلاحيات دستورية في تعيين قائدي الجيش والمخابرات؟
الإجابة الرسمية تقول إن هناك اتجاهاً لقيام حكومات برلمانية ذات صلاحيات فعلية واسعة؛ وبما أن البرلمانات والحكومات البرلمانية، ليست، بالضرورة، مضمونة الولاء للدولة، فلا يمكن السماح بأن تكون لها السيطرة الدستورية على أهم تعيين قائديّ مؤسستين سياديتين في الدولة، الجيش والمخابرات.
سيلي التعديل الدستوري المشار إليه، تفعيل وزارة الدفاع، وتخويلها الصلاحيات الإدارية والمالية المتعلقة بالمؤسستين المذكورتين؛ فهل هي ترتيبات مشروطة لتمويل دولي لعملية واسعة لمكافحة الإرهاب، يكون مركزها الأردن؟
لا تزال الولايات المتحدة مترددة في التعاون مع الحكومة السورية للسيطرة على الوحش ــــ الذي أوجدته السي آي إيه، وحلفاؤها الإقليميون ــــ وانفلت عقاله، ولا يزال الأميركيون يتحدثون عن تدريب وتسليح مجموعات «معتدلة» لمواجهة «داعش» في سوريا، أي أنهم يخططون لحرب استنزاف طويلة لدول المنطقة، ينتجون، خلالها، المزيد من الدواعش، ويستعيدون فيها، ما تراجع من نفوذهم.
يركز الخطاب الرسمي على أن التعديل الدستوري الخاص بتعيين قائدي الجيش والمخابرات، هو مقدمة للشروع في «الإصلاح السياسي». وهو لا يخرج عن الوصفة الأميركية الهادفة إلى تنفيذ الجزء الأردني من تصفية القضية الفلسطينية، وإعادة بناء النظام السياسي على أساس التوطين السياسي والمحاصصة؛ وربما يحتاج تمرير هذه الوصفة إلى هزة داعشية!