■ ما أسباب إخفاق المجتمع الدولي في صون ليبيا، برغم أنه تكفل بها منذ البداية وساهم في تغيير النظام؟ عندما شكل مجلس الأمن الدولي بعثة مساعدة ليبيا، كان يتصور أن الأمور سهلة ولا تحتاج إلى وقت طويل، وأن مهمّة البعثة تنحصر في بناء المؤسسات. ربما يتوقّع الناس الكثير من الأمم المتحدة، ولكن هناك محدودية لما تستطيع تحقيقه.

■ ماذا عن المصالح الأجنبية والمصالح المحلية والمصالح الإقليمية وتضارب تلك المصالح؟
بالنسبة إلى أوروبا، الهم الأول هو ضبط الحدود كي لا يجري تهريب السلاح والبضائع والمقاتلين والمهاجرين غير الشرعيين. وهناك بلدان لها مصالح أخرى مثل مصر وتونس، فهناك مليونا مصري يعملون في ليبيا، كما أن تونس تستضيف أكثر من مليون ليبي على أراضيها، إضافة إلى أن هناك آلاف التونسيين في ليبيا. لكنني أزعم، وهذا تثبته الوقائع كل يوم، بأن قدرة هذه الدول على التأثير في مجرى السياسات الليبية محدودة. وكذلك قدرتها على ضبط الحدود.
أما بالنسبة إلى المشاريع، فإن ليبيا لم تضع خطة لأي مشروع منذ الثورة، ولم ينفّذ أي مشروع تنموي بعد الثورة من أي نوع كان.

■ هل هناك تنظيم «دولة إسلامية» في ليبيا أو تنظيمات تعتنق فكراً مشابهاً؟
«الدولة الإسلامية» غير موجود في ليبيا، ولكن هناك تنظيمات شبيهة به إلى حد ما. وهي لا تعترف بالعملية السياسية وقوتها في شرق ليبيا ملحوظة. فدرنة مثلاً بمثابة إمارة إسلامية حيث تسيطر جماعات كهذه، وكذلك في بنغازي، هناك نفوذ كبير لـ«أنصار الشريعة». ولعل هذا النفوذ ازداد بعدما نجحت «أنصار الشريعة» في إقامة تحالفات مع مجموعات مسلّحة أخرى، مستغلة وجود الجنرال خليفة حفتر. الذي وجد نفسه في مواجهة تحالف عريض من التشكيلات المسلّحة في بنغازي. والآن تسيطر هذه التشكيلات على جزء كبير من المدينة الواقعة شرقي البلاد، حيث تتمتع الجماعات الإسلامية بنفوذ كبير.


عندما شكل مجلس الأمن بعثة مساعدة كان يتصور أن الأمور سهلة


«الدولة الإسلامية»
غير موجود في ليبيا ولكن هناك تنظيمات شبيهة به
■ الأمم المتحدة لم تراع في الدعوة للحوار الشامل خصوصية التركيبة الديموغرافية والثقافية الليبية، القائمة على تعدد القوميات والقبائل وتباعد المدن والقرى. لماذا جرى تجاهلها؟
نحن منذ اليوم الأول لم نستثن أحداً، ولا سيما أولئك الذين يحملون البندقية، وما زالوا يمارسون نفوذاً كبيراً على الحياة السياسية. كما أننا لم تستثن الأقليات الإثنية ولا شيوخ القبائل، الذين ما زالوا يتمتعون بنفوذ وسط قبائلهم، لكن بالطبع ليبيا بلد شاسع واسع. وأن تجمع الكل على طاولة واحدة ليس أمراً يسيراً. لذا كنا نعمل على نحو تراكمي. نظمنا مجموعات حوار لكي نصل إلى يوم نستطيع فيه جمع الكل وإجراء حوار وطني شامل. وإذا كان الليبيون يريدون إنشاء دولة فلا بد لهذا الحوار أن ينعقد.
ولكن في الفترة الأخيرة تعرّض الحوار، الذي كنا ندعو إليه لانتكاسة. فبعض القوى ارتأت في حزيران الماضي أنه لا فائدة من الحوار. وهناك من ظن أن الحوار يعني تنازل القوي لمصلحة الضعيف.

■ في ظل هذا العجز طلب مجلس النواب الليبي حماية دولية. هل تعتقد أن مثل هذا الطلب بالتدخل العسكري الأجنبي يمكن أن يلبى بأي شكل من الأشكال؟
في اعتقادي أن التدخل العسكري ليس في وارد أحد. أما إرسال قوة حفظ سلام مثلاً إلى ليبيا، فمن المعروف أن مجلس الأمن لا يوافق على إرسال مثل هذه القوة إذا كان الليبيون منقسمين. والليبيون منقسمون انقساماً حاداً حول هذا الموضوع. إذا هذا ليس وارداً أيضاً، واحتمال تدخل الدول ضعيف جداً.

■ ماذا عن احتمال التدخل بطائرات من دون طيار؟
لا أرجح ذلك. طبعاً ليس لدي معلومات استخبارية، لكن ما شعرت به من المشاورات في داخل مجلس الأمن الدولي، ومن سياسات الدول المعلنة، ومن جلسات مجلس الأمن الدولي، أنه ليس لهذه الدول شهية لتدخّل عسكري في ليبيا.

■ لكن وزير خارجية ليبيا حضر إلى نيويورك وطلب تدخلاً.
وزير خارجية ليبيا طلب نوعاً من الوجود الدولي القوي، الذي يساعد على الاستقرار. ثم فصّل هذا الطلب بقوله نحتاج إلى من يساعدنا على حماية مطاراتنا ومنشآت ليبيا النفطية وعلى تدريب الشرطة، لكنه لم يقل بصريح العبارة إنه يريد قوة دولية.

■ ليبيا إلى أين؟
نحن الآن أمام مهمة عاجلة، فالوضع الأمني متدهور. احتمال انزلاق ليبيا نحو الفوضى والمزيد من العنف في مختلف المناطق خطر حقيقي وداهم. والأولوية هي لسرعة وقف النار. هناك أعضاء من بعثتنا يسعون الآن لاتفاق كهذا، لكن المهمة تبدو لي بالغة الصعوبة لأن الاتفاق على وقف إطلاق النار الفعلي لا يمكن من دون اتفاق سياسي. ويبدو أن الاتفاق السياسي متعذر. وانعدام الثقة بين الأفرقاء كبير. هناك مجلس نواب فيه أكثرية وأقلية. والوضع في الميدان يختلف عن الوضع على المستوى السياسي. وهذا يزيد الأمور تعقيداً. إذاً الأولوية تبقى لإيقاف النار والدخول في حوار سياسي لمعالجة المشكلات. ثم دفع مؤسسات سياسية ليبية موجودة ومنتخبة، كالهيئة التأسيسية لصياغة الدستور. وهناك مجلس نواب يجب أن يباشر عمله جديّا. وأن يكون قادراً على استيعاب الكل وألا يقصي أحداً. ثم هناك ضرورة، وهذا سيظهر في جلسة مجلس الأمن التي تنعقد في ٢٧ آب الجاري، لأن نجري حواراً مع الليبيين للمرة الكذا لكي نصل فيه إلى اتفاق حول حدود ما يمكن أن يقدمه لهم المجتمع الدولي، كي لا يتوقعوا منه المعجزات، وليحددوا مطالبهم بدقة. وفي هذا الإطار، أجري اتصالات لي مع ليبيين حول بعض الأفكار التي ستطرح في مجلس الأمن. وعندها يجيب المجلس إن كان قادراً أو راغباً.

■ ماذا لو استعان الليبيون بالدول الراغبة بدلاً من الدول الأعضاء في مجلس الأمن؟
لو استطاع الليبيون الاستفادة من دول جنوب أوروبا التي يعولون على دعمها كثيراً، لما أتوا إلى الأمم المتحدة. ولما طالبوا بما يطلبونه الآن. وبصراحة القوى السياسية الليبية موقفها مزدوج، وهي مشكلة عامة في الكثير من الدول العربية والإسلامية.




الدولة الليبية ضعيفة

يقول طارق متري إن الدولة الليبية ضعيفة، وإنه عوضاً عن أن يتفق الليبيون في ما بينهم حول أولويات تكوين الدولة باشروا منذ انتخابات عام ٢٠١٢ التنازع على السلطة. وهو يلفت الانتباه إلى أنه «في مثل هذه الظروف يشتد نفوذ المجموعات المسلّحة»، موضحاً أن هذه الأخيرة «قادرة على انتزاع حصتها من السلطة بالقوة، بعدما كانت في البداية خارج العملية السياسية».