في بلدة حام، في أعالي السلسلة الشرقية، الحال هي نفسها كما في عين السودا وطاريا وشمسطار وحورتعلا وقصرنبا واللبوة، وغيرها من القرى التي تنتظر بفارغ الصبر خبراً عن تحرير أبنائها المخطوفين في عرسال. في حام، تقطن عائلة العريف في قوى الأمن الداخلي أحمد محمد عباس (28 عاماً) المخطوف لدى «جبهة النصرة» في عرسال. عائلة تتألف من زوجة وثلاثة أطفال صغار، ووالديه. الوالدة تلزم الفراش.
لا قدرة لديها على الكلام، بعدما أنهكها المرض من جهة، وأثقل عليها همّ خطف فلذة كبدها أحمد. «والله اليهودي بيشفق على حالتها»، يقول الوالد محمد عباس محاولاً حبس دمعته. علي، الطفل الذي لم يتجاوز عمره الأعوام الخمسة، لا يكف عن السؤال عن والده الذي اعتاد النوم في أحضانه. «بعده بالخدمة» هي العبارة الأسهل التي ترددها حربة صادق زوجة أحمد، منذ 24 يوماً. الوالد السبعيني يعبّر عن سخطه وحنقه من الدولة حكومة وأجهزة أمنية: «ما حدا مربّطلي إيدي إلا أن أحمد أبن دولة، والله لو كان سارح بالغنمات بالجرد وخطفوه، لعرفت كيف رحت جبته. يا عمي حتى لو كنا فقراء ومعترين، بس عنا مين بيقدر يساعدنا ويجيب إبننا».
يتابع الرجل التلويح بعصاه التي يتكئ عليها، ويؤكد أن «أبناءنا المخطوفين ضحايا ضعف دولتنا. هني قاعدين تحت المكيفات وينظّرون، ونحن نكتوي مئة مرة في اليوم، بنار حرقتنا على أولادنا. هلكونا بالسرية والتكتم. لك خـ.... ع السرية تبعهم. لأيمتى بدنا نبقى نساير ونمسح جوخ، ما بشيل هالرقبة إلا اللي حطها، لازم الدولة تتحرك وتخلص أولادنا يا إما تقعد ع جنب وتتركنا نشوف كيف بدنا نحررهم».
بعد هذا كله يخفض الرجل عصاه ويحتضن بغصّة أحفاده الثلاثة ويردف قائلاً: «ما في إلا رب العالمين بناشده، هوي حسبي ووكيلي».