لا تزال المفاوضات متعثرة في ملفّ العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية». مرّ ٢٤ يوماً على الأزمة، لكن أفق التفاوض لم يُفتَح بعد. مطالب الجهة الخاطفة في نظر الحكومة اللبنانية تعجيزية. وبحسب مصادر رسمية لبنانية، «لا يمكن الحكومة أن تقايض المخطوفين بموقوفين بتهم الارهاب، وإلا فإنها ستقع تحت هذا الضغط، وستعمل مجموعات أخرى على خطف عسكريين لمقايضتهم بموقوفين في السجون اللبنانية».
وبعد انسحاب هيئة علماء المسلمين من التفاوض، ازداد الملف تعقيداً، علماً بأن أفراداً من الهيئة لا يزالون مستمرين في المفاوضات «لكن بصفة شخصية»! الجديد أمس كان إصدار تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») في القلمون بياناً أعلن فيه أنّه «سيقتل أول جندي لبناني أسير لديه بعد ٢٤ ساعة من الآن إذا لم يتم تحييد حزب الله عن مفاوضات تبادل الأسرى وتبدأ الحكومة اللبنانية بعمل جدي لحل الأزمة». ثم أضاف: «استجيبوا أو يُذبح كل ثلاثة أيام جندي». وبحسب مصادر متابعة لـ«داعش»، فإن التنظيم يستدرج الدولة إلى مفاوضات معه، بعدما تبيّن أن أي وسيط لم يتصل به منذ أيام.

مطالب «داعش» لا تزال
نفسها: كل جندي مخطوف بـ10 سجناء من رومية


وتذكر المصادر أن مطالب «داعش» لا تزال نفسها: كل جندي مخطوف بـ10 سجناء من رومية. وأبرز من يطلب تحريرهم من رومية: جمانة حميّد وحسين الحجيري وعماد جمعة وحسّان المعرّاوي، إضافة إلى سجناء إسلاميين لم يحددهم بالاسم. وفيما تشير مصادر مقرّبة من «داعش» إلى أنه ماض في قراره بقتل العسكري إن لم تعط الحكومة اليوم مؤشرات على تحرّكها للاستجابة للمطالبة، شكّكت مصادر وزارة الداخلية في جدية التهديد، مؤكدة أن «ردّ الفعل على البيان مبالغ فيه». ولفتت المصادر إلى أن الوزارة تلقّت تأكيدات من «جهات موثوقة بأن البيان غير صحيح».
وفي الإطار عينه، يرى مسؤولون أمنيون أن المسلحين في الجرود يعرفون انعكاس أي عمل يقومون به على وضع اللاجئين السوريين في لبنان، مستبعدة تنفيذهم لتهديداتهم. لكن مصادر أخرى متابعة للملف حذّرت من خطورة ما يجري، لافتة إلى أن ما يقوم به «داعش» في العراق وسوريا لا «تنطبق عليه دوماً القواعد المنطقية، بل إنه في أحيان كثيرة مناقض للمنطق».
حال المفاوضات مع تنظيم «الدولة الإسلامية» تنسحب على «جبهة النصرة». وتكشف مصادر على صلة بـ«الجبهة» أن «الأمور لا تزال على حالها، لأن الحكومة ترفض مبادلة موقوفين ومحكومين في سجن رومية بالجنود الأسرى»، مشيرة إلى أن «الجانب اللبناني لم يقدّم شيئاً في مجال المفاوضات». وقالت إن «النصرة» بصدد التصعيد قريباً في حال لم تتحرّك الحكومة اللبنانية.
وفي السياق نفسه، على الجانب اللبناني، قالت مصادر أمنية إن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي يتولى التفاوض مع الجانبين القطري والتركي، يريد تكليفاً رسمياً من الحكومة، في حال وجب عليه إجراء اتصالات مع الحكومة السورية. فبحسب المصادر، طالب الخاطفون بإطلاق نحو 1500 معتقل من مجموعاتهم لدى الجيش السوري ونحو أربعين سجيناً لبنانياً وعربياً في السجون اللبنانية. وعُلِم أن الجانب السوري لم يكن موافقاً على التجاوب من دون مقابل، بل يريد مقابل الإفراج عن أي معتقلين لديه تحرير عدد غير قليل من جنوده المخطوفين من قبل المسلحين في سوريا، فضلاً عن وضع الجانب السوري ما يشبه «الشرط» بأن يكون أي تفاوض معه في هذا الشأن من طرف الحكومة اللبنانية، وبشكل لا لبس فيه. لكن مصادر وزارة الداخلية اللبنانية نفت هذه المعلومات، مؤكدة أن إبراهيم لم يتلقّ رسالة كهذه، كما أنه لم يبلغ وزير الداخلية ولا رئيس الحكومة هذا الأمر. كذلك أكّدت أن المفاوضات لم تصل بعد إلى درجة تسلّم مطالب من الخاطفين.
من جهة أخرى، أعلن «داعش» أن اللبناني هشام الحاج (الملقب بـ«أبو مجاهد»، من طرابلس)، نفّذ عملية انتحارية في العراق. وبحسب بيان «ولاية بغداد»، فإن الحاج فجّر نفسه بسيارة مفخخة بعبوة زنتها 300 كلغ من المواد الشديدة الانفجار في بغداد الجديدة صباح أمس.
في المقابل، أعرب نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم عن أسفه «لوجود أطراف في لبنان لا تعترف بحقيقة تنظيم «داعش» التكفيري، وتأمل في أن تستثمر فيه على قاعدة أن تتمكّن من الاستفادة ممّا يصنعه من قتل ورعب». ولفت الى أن «أي حلّ في التعامل مع عرسال وغير عرسال لا يتعامل مع داعش على أنه خطر لا يكون علاجاً، وسينقلب سلباً على طابخي السم إذا كانوا يعتقدون بأنهم يحلون المشكلة بالتغاضي عن داعش».
وأشارت كتلة المستقبل في بيان لها، بعد اجتماعها الأسبوعي، إلى أنه «كثرت في الأيام الماضية شائعات عن تجاوزات وممارسات لمسلحين في منطقة عرسال، وهو، إن صحّ، أمر مستغرب ومستهجن ومرفوض». وطالبت الحكومة اللبنانية «بتكليف الجيش توفير الأمن في بلدة عرسال ومحيطها لحماية أهاليها والضرب بيد من حديد على كل من يرتكب تجاوزاً أمنياً أو مخالفة قانونية، بغض النظر عن الفريق الذي يقف خلفه».
وفي خطوة ترمي الى دفع جهود تسليح الجيش في مواجهة الإرهاب، طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري الاجتماع بسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن وممثل الامين العام للامم المتحدة ديريك بلامبلي، الذين يصفهم بري بأنهم الـ5+1 في لبنان، لكونهم يمثلون دول العالم الى جانب سفير الامم المتحدة. وخاطب السفراء الستة قائلاً: «هناك مواضيع كثيرة يقتضي أن أبحثها معكم، كالاستحقاق الرئاسي ومخيمات النازحين السوريين وينابيع المياه في البحر، إلا أنني أكتفي بتناول موضوع واحد هو الجيش وضرورة تسليحه في أسرع وقت، استناداً الى اللوائح التي سبق أن قدمها قائد الجيش ويقتضي وضعها موضع التنفيذ. لا يُعرف عن لبنان أن عليه ديناً عالقاً، ونحن نسدد ديوننا، ولذا يجب تجاوز الإجراءات الروتينية في مدّ الجيش بالمساعدات العسكرية، بل أطلب تأمين جسر جوي لتزويده السلاح في معركته ضد الإرهاب. هذا هو الاساس في طلب هذا الاجتماع». وشدد أمام السفراء على «ضرورة الاستثمار في الامن»، وأكد استعداد لبنان لقبول «كل مساعدة تزويد جيشه السلاح من أي جهة أتى، من الغرب أو العرب أو إيران، وهم جميعاً أبدوا الاستعداد لذلك». وقال: «عام 1983 قُصفنا بالاسلحة الاميركية، وعندما تألفت الحكومة الاولى بعد ذلك عام 1984 أول ما فعلناه تسديد ثمن القنابل التي سقطت فوق رؤوسنا. لذلك لا بد من تجاوز الشكليات واستعجال إرسال السلاح الى الجيش».
وتناوب على الكلام السفراء الغربيون الستة، وأكدوا الاستعداد لدعم الجيش بما يحتاج اليه، فيما لم يلاحظ رئيس المجلس أن أياً منهم أظهر تحفظاً على نوع معين من السلاح أو وضع شروطاً مقيدة لتسليح الجيش، بدءاً بالسفير الاميركي. وأجرى بري مكالمة هاتفية بالرئيس سعد الحريري في الخارج، واستعجله السعي الى وضع مبلغَي المليار دولار والثلاثة مليارات دولار اللذين قدمتهما السعودية موضع التنفيذ، وعوّل على الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز لباريس في الأيام المقبلة لتحريك تنفيذ هبة الـ3 مليارات دولار.