على طرف نقيض من استحقاقي انتخابات الرئاسة وتمديد ولاية مجلس النواب، لا يزال الجيش في الواجهة رغم مرور أسابيع على انتهاء حرب عرسال، والانقسام الذي أحاط بقراءة نتائجها واحتساب الأرباح والخسائر فيها، وتناقض الاستنتاجات، وإن بدا أن الجيش المؤسسة كان ـ أو قد يكون خرج منها ـ رابحاً بأكلاف باهظة، بينما العماد جان قهوجي أخفق في القيادة.
ضاعف في تبرير هذا الاعتقاد، دخول قهوجي مباشرة على خط ردود الفعل المتباينة على ما أفضت إليه حرب عرسال وبعض أسرارها المطوية، ومحاولة دفاعه عن نفسه، ثم ربط تقييم دوره في قيادة تلك الحرب بانتخابات الرئاسة، ومن ثمَّ القول باستهدافه كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، مبكّراً في استنتاج الخيارات، على الأقل على نحو ما يتصوّره بعض المحيطين به.
وخلافاً لسلفيه قائدي الجيش اللذين انتخبا، الرئيسين إميل لحود وميشال سليمان، عندما أنكرا مرة تلو أخرى أن يكونا مرشحين للرئاسة في استحقاقي 1998 و2007 أو أنهما يجهران علناً بالطموح إليها، لم يتردد قهوجي في مقاربة الانتقادات التي وُجهت إلى المؤسسة العسكرية على أنها تطاوله هو بالذات. فإذا انتخابات الرئاسة في برنامج العمليات التي تتحضّر لها القيادة.

موزّعو هبة المليار يهبون الهيئة العليا للإغاثة 200 مليون دولار



بيد أن محاولة ربط الجيش بالاستحقاق الرئاسي من الآن كجزء لا يتجزأ من الخيارات المطروحة له، وتوجيه الأنظار إلى صورة قائده، لا يقللان واقع أن المؤسسة العسكرية أضحت في صدارة الاهتمام والحضّ على تسليحها ومدّها بما يحتاج إليه في معركتها الضارية مع الإرهاب. بل الأصح أنها هي ـــ لا قائدها ـــ في صدارة الحدث.
تعكس ذلك بضعة مواقف أتاح استخلاصها ما سمعه مسؤولون رسميون من سفراء دول كبرى، ومن ديبلوماسيين أمنيين في بعثاتهم، تابعوا عن قرب تقييم مرحلة ما بعد حرب عرسال، والمساعدات التي يقتضي تزويد الجيش إياها من أجل منع انتقال الإرهاب والمجموعات التكفيرية إلى لبنان. بالتأكيد لم يسمع المسؤولون الرسميون من السفراء أو من الديبلوماسيين الأمنيين يحدثونهم في علاقة الجيش بانتخابات الرئاسة، أو ترشيح قائده أو تداول اسمه كأحد الخيارات الشائعة في كل استحقاق مماثل. إلا أنهم ـــ وأخصهم السفير الأميركي دافيد هيل ـــ حدّدوا قاعدة أساسية لدعم لبنان وحكومته، هي ضرورة ملء الشغور الرئاسي كي لا يتأثر الوضع الأمني باستمرار غياب رئيس الجمهورية. قالوا أيضاً إن انتخاب الرئيس يسهّل وصول المساعدات العسكرية إلى الجيش، ويقلص التحفظ عن إرسالها في ظلّ مرحلة غامضة وانقسام وطني يجرجر أذياله على المؤسسات الدستورية، ناهيك ـ وربما أكثر من سواه ـ بالجيش الذي يحتاج إلى سلطة سياسية يستمد منها دوره.
ارتكز بعض ما أفصح عنه السفراء والديبلوماسيون الأمنيون الملحقون على بضعة معطيات، منها:
1 ـــ أبلغ ديبلوماسيون أميركيون وملحقون أمنيون في سفارة بيروت إلى ضباط كبار في اليرزة مشاطرتهم إياهم القلق على الوضع الأمني في لبنان، وذلك قبل اندلاع حرب عرسال في 2 آب. كمنَ قلقهم في اعتقادهم بأن عرسال أضحت إلى حين بيئة حاضنة لتيارات تكفيرية سنّية تغلغلت فيها عبر مخيمات النازحين السوريين. لم يترددوا في إخطار الضباط الكبار بأنهم يخشون من أن يكون انفجار عرسال مسألة وقت ليس إلا من جراء توافر معلومات عن تمدّد تنظيم داعش وجبهة النصرة من جرود البلدة إلى داخل أحيائها.
أحد الأسئلة التي وجهها الديبلوماسيون الأميركيون رجّح حتمية المواجهة العسكرية، قبل أن يقول: هل الجيش متأهب ومتحضّر فعلاً لها؟
لم يكن هؤلاء وحدهم مَن أرسل إشارات الإنذار بحتمية الاشتباك مع المسلحين الإرهابيين. فعل ذلك أيضاً ديبلوماسيون ومسؤولون أمنيون أوروبيون.
لم يتأخر ديبلوماسي أمني في دولة عظمى في توجيه سؤال إلى مسؤول أمني لبناني كبير، مستطلعاً وجهة نظره حيال توجيه ضربات جوية أميركية إلى تنظيم داعش في سوريا، سواء بالتنسيق مع سوريا أو من دونه. كانت نصيحة المسؤول الأمني اللبناني أن: اذهبوا واحكوا مع السوريين. افتحوا قنوات حوار أمنية على الأقل معهم لمواجهة هذا الخطر في الوقت الحاضر، ثم تدبروا في ما بعد المشكلة مع النظام. أضاف: في الإمكان التواصل معهم أمنياً فقط في موضوع مهم كهذا. الأبواب غير موصدة، والوسطاء متاحون.
2 ـــ في بعض الاستنتاجات التي خلص إليها الديبلوماسيون والملحقون الأمنيون الغربيون ملاحظة مهمة استقوها من حرب عرسال، أن الجيش اللبناني صمد ونجح في طرد المسلحين الإرهابيين حيث انهار الجيش العراقي وتراجعت قوات البشماركة وجهاً لوجه مع عدو واحد هو تنظيم داعش في العراق. بيد أن بين الديبلوماسيين هؤلاء مَن لم يجد حرجاً في القول إن حرب عرسال لم تنته، ما يحمله على تشجيع حكومته على تسليح الجيش اللبناني. في جانب مما قاله: إذا لم يتولَّ الجيش حسم المعركة نهائياً، فإن حزب الله سيتدخل. وهذا ما لا نريده أبداً.
3 ـ تبعاً لما كشفه هؤلاء، أعلمت الإدارة الأميركية الكونغرس ثم إسرائيل أنها سترسل مساعدات فورية إلى الجيش، وضعتها في خانة تعزيز الإمدادات ليس إلا. لا سلاح جديد، بل تعزيز الترسانة العسكرية اللبنانية بالعتاد والذخائر، من بينها طائرتا سيسنا cessna حاملتا صواريخ. وهي أسلحة تقع في نطاق هبات من الحكومة الأميركية.
4 ـ على غرار ما شهدته حرب الجيش مع «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد عام 2007، والدور الذي اضطلع به السفير الأميركي جيفري فيلتمان آنذاك لمدّ الجيش بالمساعدات العسكرية العاجلة في خضم تصاعد المواجهة، وسعيه لدى إدارته إلى تجاوز الإجراءات الإدارية التي تبطئ في خطوات تسليم شحنات الأسلحة، كرّر السفير الحالي دافيد هيل المحاولة. استمرت حرب نهر البارد أقل من أربعة أشهر بقليل (أيار ـ أيلول 2007) مدّ الأميركيون الجيش خلالها بالعتاد والذخائر والصور الجوّية للمخيم عبر الأقمار الاصطناعية لكشف أزقته الضيقة وتجمعات المسلحين المتطرفين فيه. وهم اليوم يعاودون الكرّة وإن متأخرين بعد انتهاء حرب عرسال.
قبل أيام قليلة وصلت بعيداً من الإعلام شحنة أسلحة أميركية تحتوي على ذخائر وعتاد، وينتظر حتى نهاية الشهر المقبل وصول عدد غير قليل من الشحنات المماثلة، في خطوة تكسر ـ تحت وطأة الظروف الاستثنائية وضراوة تحدي داعش ـ قاعدة تقليدية كانت تحمل واشنطن على تزويد الجيش اللبناني، ذي السلاح الأميركي بنسبة تزيد على 70 في المئة، مساعدات دورية مرة كل ستة أشهر وأحياناً أكثر من ستة أشهر.
مع ذلك يظلّ الغموض يحيط بالهبة السعودية بثلاثة مليارات دولار، العالقة بين الرياض وباريس، بينما استقر توزيع هبة مليار دولار التي حملها الرئيس سعد الحريري إلى بيروت في 8 آب على أرقام جديدة كانت مدار توافق في الساعات الـ48 الأخيرة، كالآتي:
200 مليون دولار للهيئة العليا للإغاثة، رغم أنها ليست في عداد المؤسسات والإدارات العسكرية والأمنية التي حُصر نطاق إنفاق المليار دولار بها. إلا أن المسؤولين السياسيين المعنيين يصرون على تخصيصها بكوتا.
400 مليون دولار للجيش.
250 مليون دولار لقوى الأمن الداخلي.
150 مليون دولار للأمن العام. زيد المبلغ 50 مليون دولار بعد تحفظ المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم عن تخصيص جهازه بأقل مما يحتاج إليه لتعزيز قدراته.