«ما بدي شي من الدني إلا خيي». عبارة وحيدة نطق بها الفتى محمود مدلج، قبل أن يختنق صوته بالبكاء، وينسحب إلى داخل المنزل. دموع ابن الـ 12 عاماً، أطاحت هدوء والديه وتماسكهما، أثناء حديثهما عن ابنهما الجندي عباس مدلج (20 عاماً) الذي فقد الاتصال به بعد اقتحام المسلحين موقع تلة الحصن في جرود عرسال، عصر يوم السبت المشؤوم في الثاني من آب الجاري. الغموض الذي أحاط بمصير مدلج، الذي انتسب منذ سنتين إلى الجيش، أذاق العائلة مرارة ولوعة استمرتا 22 يوماً، إلى أن ذكر اسمه قبل أيام في أحد مقاطع الفيديو التي عرضت في وسائل إعلامية، من بين اربعة اسماء لعسكريين كانوا مع مجموعة «أبو حسن الفلسطيني»، وسلموا بعدها إلى مسلحي «داعش». في منزل مستأجر في بعلبك، تقطن عائلة الجندي المخطوف. الوالد علي مدلج، متقاعد خدم المؤسسة العسكرية 23 عاماً، ودفع نجليه، ومنهما عباس، إلى الانخراط في المؤسسة، التي يعدها «أساس هذا البلد وضمانته».

ينفي أن يكون قد زاره اي مسؤول سياسي أو أمني «للوقوف على خاطر» العائلة. اليوم يرى مدلج أن «ابنه ضاع نتيجة تقصير الدولة، اللي ما عم شوف منها ضمانات لإبقائه حيّاً، ليبقى لي ضمانتي الوحيدة رب العالمين». يعيش الوالد يومياته وهو يرقب كل خبر عن المخطوفين، والمفاوضين، مبدياً ارتياحه للقاء وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مع لجنة أهالي العسكريين المخطوفين أول من امس.
ورود اسم عباس من ضمن الأسماء الأربعة الذين ذكروا في مقطع إعلامي، لم يطمئن الوالدة زينب نون كثيراً. فهي ترى أن ذكر اسمه «لا يعني شيئاً سوى أنه موجود، ولكن لا نعرف إذا كان جريحاً أو مريضاً أو معافى، ما رح يهدى بالي إلا لشوفو».
في عيون الوالدة نقمة وعتب كبير على «الدولة كلها، وتحديداً قائد الجيش»، مردفة: «يدّعون أنهم حصّنوا مواقع عسكرييهم، وساندوا عناصرهم في جرود عرسال، برغم الانذارات من المسلحين لاكثر من خمس ساعات، وليتبين أن كل ادعاءاتهم كانت غير صحيحة، وكل اللي كانوا بالموقع في تلة الحصن 11 عسكرياً، ومع كل واحد منهم سلاحه وممشطا ذخيرة فقط».
بين يدي الوالدة صورة ولدها عباس. تتكلم عن «معشره الحلو والضحكة اللي ما بتفارق تمو»، لتعود وتشدد على أنها لا تناشد أحداً إلا «رب العالمين اللي شايف شو عم إتحمل من عذاب، واللواء عباس إبراهيم، لأنه البقية كلهم راكبين ع الكراسي وشو ما قلنا وشو ما عملنا مش سائلين علينا، ولا عن وجعنا اللي عم نعيشه، ولا عن اللي بيموت أو بيعيش».