مضى قرابة شهر ونصف شهر على فتح السلطات المالية الأميركية النار على مصرف FBME، التابع لمجموعة صعب. تبقى 15 يوماً متاحة ليقدّم البنك الحجة المضادة للمزاعم بأنه يسهم في تبييض الاموال وتسهيل عمليات مرتبطة بـ«إرهابيين»؛ ويبدو أنه مستعد للمضي قدماً في المعركة.
إذ وفقاً لرسالة بعث بها أخيراً فادي صعب - وهو أحد المؤسسين، الى جانب قريبه فريد – إلى الموظفين، هناك شبه تعهد بمعالجة الوضع الشاذ القائم، الذي أدى إلى الحجز على فرع المصرف في قبرص، وإلى سيطرة السلطات النقدية التانزانية على عملياته في مركزه الرئيسي.
«نعمل جاهدين لاجتراح حلّ (للأزمة القائمة)، ولدينا إجراءات مختلفة ننفذها للوصول إلى ذلك»، تقول الرسالة، التي حصلت «الأخبار» عليها.
يشرح فادي صعب أنّه بهدف الرد على مزاعم وحدة مكافحة الجرائم المالية في وزارة الخزانة الأميركية، جرى تعيين محاسبين أميركيين مختصين في مجال الجرائم المالية لإعداد دراسة مستقلة عن عمليات المصرف ونشاطاته.

يغرق المصرف
المركزي القبرصي
بأكثر من ألف شكوى قدمها زبائن المصرف



وترمي إدارة المصرف من وراء الدراسة إلى مسألة بالغة الأهمية. «ستتوصل الدراسة إلى خلاصات محددة حول امتثال المصرف لمعايير الاتحاد الأوروبي لمكافحة تبييض الأموال وحول احترامه للقوانين الخاصة بأفضل الممارسات، وبالاطلاع على هويات الزبائن ونشاطاتهم».
هكذا، ترمي مجموعة صعب إلى مواجهة الاتهامات الأميركية بأن مؤسستهم تتعامل مع مقربين من «حزب الله»، وبأنها تُنفذ عمليات مالية «مشبوهة» في الولايات المتّحدة، عبر الاحتماء بالقوانين الأوروبية الخاصة بالامتثال وحسن الممارسة.
تأتي هذه المواجهة اللبنانية – الأميركية الجديدة، في مرحلة يسهل فيها تفصيل الاتهامات لأي مصرف منخرط في العولمة من باب واسع، كما هي حال المصرف المغضوب عليه حالياً. فهو يعمل بين قبرص وتانزانيا؛ يسعى إلى مواكبة الاغتراب اللبناني خصوصاً، والاستثمارات الناشطة في البلدان النامية عموماً؛ ولا يكلّ، كما أي مؤسسة تبغي الربح، إلى خفض الأكلاف إلى أدنى المستويات المتاحة.
صحيح أن الاتهامات الأميركية عادة ما تكون جازمة، ولا تجري تسويتها إلا مادياً عبر ضخ الأموال/ الجزية في الخزانة الأميركية، إلا أن ملف مجموعة صعب في هذه الحالة قوي. فهم يتسلحون بالدراسة التي يجري إعدادها إلى جانب دراسة اعدها مكتب محاسبة ألماني في عام 2013، توصلت إلى احترام المصرف للقواعد التي تفرضها السلطات النقدية القبرصية، وللقوانين الأوروبية.
يقول فادي صعب في رسالته إن جميع الوثائق المتاحة، ومنها ما وثقته السلطات النقدية في رقابتها المستمرة على المجموعة طوال السنوات الماضية، سيكون متاحاً أمام القضاء الأميركي. أما اليوم، «فلا فائدة من محاولة توقع ما سيكون عليه حكم وزارة الخزانة الاميركية».
ولكن برغم أن أول الحلول المتاحة للمصرف هو الاحتماء بقوانين أوروبا، إلا ان مشاكله ليست مع الأميركيين وحدهم، حيث يأتي وجع الرأس من مكان أقرب بكثير، تحديداً من قبرص. هناك، يغرق المصرف المركزي القبرصي بأكثر من ألف شكوى قدمها زبائن وأصحاب مصالح في عمليات المصرف المغضوب عليه أميركياً. في المبدأ، كان من المفترض أن تؤدي خطوة السلطات النقدية إلى استيعاب الصدمة وتصفية نشاطات المصرف بهدوء، عبر تعيين حارس إداري يحمي المودعين ويحفظ حقوقهم.
تتعرض هذه السلطات لانتقادات جمّة لكونها لا تُقدم مخارج عملية وصحيحة للمصرف بوضعيته الراهنة؛ وفي الحقيقة يبدو المصرف المركزي القبرصي رازحاً تحت ضغوط غربية، ومضطر إلى تحملها نظراً إلى وضعيته الحساسة هو نفسه، في ظلّ ارتدادات الأزمة التي ضربت البلاد خلال العامين الماضيين، والارتهانات المالية التي نتجت عنها.
«لقد بات معروفاً أن (الحارس) الإداري فشل في حماية مصالح المودعين» تقول رسالة فادي صعب. «وفي الواقع، ادّت إجراءاته إلى التسبب بمعاناة للكثيرين» ممن أرادوا تسوية حساباتهم أو أي عملية أخرى. إن موقف السلطات القبرصية هذا «غير جائز أخلاقياً، ويؤذي سمعة قبرص على نحو كبير» تتابع الرسالة.
يُطمئن أصحاب المصرف المودعين إلى أنهم سيضاعفون جهودهم عبر مناصرة قضيتهم في الأروقة المعنية، لكي يتمكنوا من تحرير، ولو أجزاءً من قاعدة الودائع، للتمكن من تحويلها. ويذهبون أكثر من ذلك. بداية هم يحتمون بمعاهدة موقعة بين لبنان وقبرص عام 2002 لضمان حقوق المستثمرين في البلدين، ما يحول دون قيام المركزي القبرص ببيع فرع المصرف اللبناني. كذلك تقدموا بشكوى أمام غرفة التجارة الدولية في باريس.
والخطوة الأكبر في هذا المجال قد تكون بتقديم شكاوى بحق بعض الأشخاص، نظراً إلى دورهم في مضاعفة المشكلة وتشويه سمعة المصرف بعد الاتهامات الأميركية، وفقاً لما توضحه الرسالة.
يبقى أن الأهم بالنسبة إلى المصرف وإلى أصحاب المصالح من مودعين ومختلف أنواع الدائنين والمستثمرين وحاملي الأسهم، هو السؤال التالي: هل لا يزال الهامش متاحاً للمضي قُدماً في النشاطات المصرفية
مستقبلاً؟
يوحي فادي صعب بأن ما تمر به مجموعته من مصاعب مع السلطات الأميركية يُمكن تخطيه. «ينصبّ تركيزنا أيضاً على صوغ إجراءات لإعادة القابلية التشغيلية الطويلة المدى للمصرف، ومنها إعادة بناء سمعة المصرف، طمأنة مودعيه وإعادة إحياء روحية خدمة الزبائن»، وقد يتضمن هذا الأمر، طبقاً لأصحاب المصرف، «إعادة التنظيم والهيكلة، التخطيط (لإطلاق) البطاقات الإلكترونية وتطوير أسواق جديدة للمصرف».