جنيف | أقل من ١٣ شهراً تفصل الحكومة اللبنانية عن استحقاق أممي، هو الثاني من نوعه، حيث يجب أن يقدم استعراض عن حالة حقوق الإنسان، ضمن المراجعة الدورية الشاملة التي يجريها مجلس حقوق الإنسان، في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف.تعتبر المراجعة الدورية الشاملة من الآليات الحديثة نسبياً، فهي أنشئت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في آذار عام ٢٠٠٦، في سياق «الإصلاحات» التي أعلنتها الأمم المتحدة، والتي أدت إلى إنشاء مجلس حقوق الإنسان.
وقد خضع لبنان للجولة الأولى من الاستعراض الدوري الشامل في تشرين الثاني ٢٠١٠، حيث جرى تقديم تقرير رسمي أعدته الوزارات المعنية، وتقرير عرضته مفوضية حقوق الإنسان، وهو ملخص للمعلومات الواردة في تقارير هيئات المعاهدات والإجراءات الخاصة، كما عرض تقرير موجز للمعلومات المقدمة من المنظمات غير الحكومية اللبنانية والأجنبية.

وتقدمت الدول خلال جلسة المراجعة بـ ١٢٣ توصية الى الحكومة اللبنانية، قبل ٨٣ منها، ورفض ٤٠ بينها ثلاث توصيات رُفضت لكونها قدمت من قبل إسرائيل.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة UPR-INFO المتخصصة في رصد أداء الدول تجاه المراجعة الدورية الشاملة، فإن لبنان لم يقم بمراجعة طوعية بعد مرور عامين على مناقشة التقرير الأول، والتي كان من المفترض أن تحصل في منتصف العام الماضي. وتقول المنظمة، التي تتخذ من جنيف مقراً لها، إنها خاطبت الحكومة اللبنانية من خلال بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف، لكن الجواب الرسمي جاء مقتضباً، واكتفى بالإشارة الى أن لبنان بدأ التحضير لتقويم طوعي حول الاستعراض الدوري الشامل بعد مرور عامين على التقرير الأول، وأن هذه المراجعة هي بمثابة تمرين للوزارات المعنية استعداداً لتشكيل اللجنة الرسمية، التي يفترض أن تعد مسودة التقرير الثاني، الذي يجب أن يقدم الى الأمم المتحدة في موعد أقصاه تموز ٢٠١٥.
ويشير تقرير UPR-INFO الى أنه من أصل ٣٥ منظمة غير حكومية لبنانية، جرت مراسلتها، قدمت ١٦ منظمة معلومات حول مدى التزام لبنان بتطبيق التوصيات الصادرة عن المراجعة الدورية الشاملة. ويتبين من التقرير أن لبنان لم ينفذ أكثر من ثمانين في المئة من التوصيات التي أعلن موافقته عليها خلال دورة عام ٢٠١٠، وأنه من أصل ٨٣ توصية مقبولة تم تطبيق ١٣ توصية بشكل جزئي وتسع توصيات بشكل كلي. لكن لدى التدقيق بالتوصيات التي تم تطبيقها، تبين أنها صدرت عن دول صديقة للبنان وهي بمثابة مجاملات دبلوماسية أكثر منها توصيات محددة، مثل توصية تقول بـ«تكثيف الجهود الرامية الى نشر ثقافة حقوق الإنسان» تقدمت بها المملكة العربية السعودية!
وما يميز تقرير UPR-INFO أنه يقدم جدول مقارنة بين التوصيات التي قدمت الى لبنان، وتلك التي قدمها لبنان الى الدول الأخرى التي خضعت للاستعراض الدوري الشامل، وهو إجراء اعتمد في تقويم جميع الدول التي خضعت للمراجعة. ويتبين من هذا الجدول أن لبنان الذي رفض توصية بإلغاء عقوبة الإعدام، قدم التوصية نفسها الى عدد من الدول التي خضعت للمراجعة!
وفي حين بدأت المنظمات غير الحكومية اللبنانية بإعداد نفسها لتقديم تقارير رديفة في مهلة أقصاها الأول من شباط ٢٠١٥، لا تزال الحكومة اللبنانية في غيبوبة تامة، باستثناء الجهد الذي قامت به بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة في جنيف والتي أرسلت عدة طلبات الى وزارة الخارجية حول ضرورة تشكيل لجنة من مختلف الوزارات لإعداد التقرير الرسمي اللبناني.

لبنان متخلّف عن تقديم ١١ تقريراً وطنياً للمعاهدات الدولية

والنقطة الأهم التي يجري تداولها في وزارة الخارجية تتعلق بإمكانية أن يقوم لبنان بتنفيذ عدد من التوصيات التي لا تحتاج الى جهد استثنائي؛ مثل مصادقة مجلس النواب على عدد من الاتفاقيات الدولية التي نوقشت في اللجان النيابية مثل الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري، والاتفاقية الدولية حول حقوق الأشخاص المعوقين، إضافة الى الإسراع في إعداد التقارير الملزمة ضمن الاتفاقيات التي صادق عليها لبنان.
ومن المعلوم أن لبنان متخلّف عن تقديم ١١ تقريراً وطنياً يفترض أن يقدمها الى هيئات المعاهدات في الأمم المتحدة، وأن فترات التأخير تراوح بين ٣ و١٧ سنة (المعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، وقد أعلن لبنان في عام ٢٠١٠ أن «السلطات المختصة تعمل على إعداد هذه التقارير» من دون ذكر موعد محدد. وفي حال ذهاب لبنان الى الأمم المتحدة في العام المقبل دون أن يكون قد أتم إعداد هذه التقارير التي لا تحتاج إلا الى جهد إداري من قبل الوزارات المعنية، فإنه بذلك يكون قد صنف نفسه في أسفل لائحة الدول التي توصف بأن لديها سجلاً سيئ الذكر في انتهاكات حقوق الإنسان والالتزام بالتشريعات الدولية الضامنة لهذه الحقوق.
ومن إصلاح السجون الى إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، مروراً بتحسين ظروف اللاجئين الفلسطينيين، لم يلتزم لبنان بتنفيذ أي من هذه التوصيات، التي أعاد تأكيدها في الخطة الوطنية لحقوق الإنسان التي «أخذ المجلس النيابي علماً بها» قبل عامين، دون أن يعني ذلك أن هذه الخطة باتت جزءاً من التشريع الوطني اللبناني أو أن أياً من بنودها هو ملزم للحكومة اللبنانية.
ورغم تهرب لبنان من توجيه دعوة مفتوحة ودائمة أمام زيارة المقررين الخاصين بحقوق الإنسان على غرار السياسة التي ينتهجها العديد من الدول، ذكر لبنان في التقرير السابق أنه «منفتح ومستعد للتعاون في هذا الشأن». ولعل هذه التوصية التي لا يبرر للبنان عدم قبولها، وخصوصاً أن العديد من المقررين الخاصين، وبينهم المقرر الخاص حول العبودية الحديثة والمقرر الخاص حول التعذيب، زاروا لبنان وقدموا تقارير حول زيارتهم، الأمر الذي يجعل من عدم توجيه دعوة مفتوحة لجميع المقررين أمراً غير مفهوم.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar