لم يحل اهتمام الجيش الإسرائيلي بكيفية مواجهة تهديدات الصواريخ والأنفاق الهجومية، خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، دون دراسة سبل مواجهة تحدٍّ آخر صنعته الهجمات «السايبرية» التي كان مصدرها إيران بصورة رئيسية. هذه الهجمات كانت محط اهتمام مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، الذي نشر تقريراً للباحثين غابي سيبوني وسامي كروننفلد، تطرقا فيه إلى النشاط الإيراني في مجال «السايبر» الموجه ضد إسرائيل، خلال عدوان «الجرف الصامد»، وإلى دلالات القدرات الإيرانية في هذا المجال، إضافة إلى التحديات التي يضعها تطور النشاط «السايبري» أمام إسرائيل، وسبل المواجهة والتصدي له.
الباحثان سيبوني وكروننفلد نقلا عن ضابط رفيع المستوى في سلاح الحوسبة قوله إنه «في سياق عملية الجرف الصامد، شنّت جهات إيرانية هجوماً سايبرياً كبيراً على الأهداف الإسرائيلية، من ضمنها محاولات لإلحاق الضرر بالشبكات الأمنية والمالية، وهو ما كشف أن إيران تقوم بجهد هائل في مجال تطوير القدرات الهجومية الفعالة ضد أنظمة البنى التحتية، وأنها قد تشكل تحدياً خطيراً للدفاعات الإسرائيلية في المستقبل المنظور»، بحسب التقرير، الذي أعاد إلى الأذهان ما حدث في عام 2013، عندما نُفذت سلسلة من الهجمات على مواقع المصارف الأميركية الأساسية والمؤسسات المالية، والتي اتُهمت إيران بالوقوف وراءها. وهو ما دفع خبيراً أمنياً في مجال المعلومات إلى وصف تلك الهجمات، التي تضمنت تقنيات متطورة وأظهرت قدرة على العمل في مجال واسع ضد أهداف قيّمة جداً، بأنها غير مسبوقة لناحية المستوى والفعالية.
وبرغم الانعكاسات الخطيرة للهجمات على البنى التحتية المالية، بسبب نتيجتها في إلحاق ضرر هائل جراء تعطيلها النشاط الروتيني للشركات المالية وأصحابها، فإن الهجوم «السايبري» خلال عملية «الجرف الصامد» تركز على الانترنت المدني، وفق ما ذكره سيبوني وكروننفلد.
وبالعودة إلى الأهداف التي جرى استهدافها في الهجوم غير المسبوق، وفق ما قال الضابط الكبير في سلاح الحوسبة، فقد استهدف الهجوم مواقع الجيش الإسرائيلي على الإنترنت، مثل قيادة الجبهة الداخلية ووحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إضافة إلى البنى التحتية المدنية. وحقّق المهاجمون، بحسب التقرير، بعض النجاحات عندما استطاعوا نشر رسالة زائفة عبر حساب «تويتر» الرسمي للجيش، قائلين إن المفاعل النووي في ديمونا قد أُصيب بصاروخ، وإن هناك خطورة تسرب الإشعاعات النووية.
وكانت الهجمات «السايبرية» على أهداف إسرائيلية تسارعت مع توسع العملية العسكرية في البر. وخلال الجزء الأول من العملية، كان الهجوم هامشياً وغير منظم، لكن مع توسع العمل البري في غزة، استناداً إلى مدير الدفاع «السايبري» في الجيش الإسرائيلي، حصلت قفزة كبيرة في مجال الهجمات على إسرائيل، وفي الغالب من حيث تطورها أيضاً. ووصلت الهجمات إلى الذروة في 25 تموز 2014، يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان، في «يوم القدس العالمي»، عندما تعاونت جهات إيرانية مع مهاجمين آخرين من كل العالم في شنّ هجوم واسع الانتشار ضد عدد من المواقع الإسرائيلية، من أجل إعاقة الولوج إليها لمدة طويلة من الوقت.
في تشريحهما للقدرات الإيرانية في مجال «السايبر» وللنشاط «السايبري» الإيراني خلال عملية «الجرف الصامد»، خلص سيبوني وكروننفلد إلى وجود «نضج متنام في القدرات العملانية للجمهورية الإسلامية يُظهر أنها قادرة على تنفيذ عملية سايبرية عسكرية شاملة ضد مروحة من الأهداف باستخدام طيف واسع من الأساليب». فضلاً عن ذلك، يضيف سيبوني وكروننفلد أن تركيز إيران على الفضاء «السايبري» خلال عملية «الجرف الصامد» قد يُشير إلى بداية مسار يجري خلاله استبدال ما وصفاه بـ«الإرهاب الكلاسيكي» بـ«السايبر كأداة أساسية في عقيدة الحرب غير المتماثلة». فحرب «السايبر»، التي تؤمّن للمهاجم المساحة والإنكار، وهما ميزتان تعتبر إيران أن لهما قيمة عالية، كما يقول سيبوني وكروننفلد، تسمح بإلحاق ضرر فادح بالجبهة المدنية لأي عدو يتمتع بتفوق عسكري وجيواستراتيجي.
ومع إشارة سيبوني وكروننفلد، لكن لغاية الآن تبقى قدرات الفضاء «السايبري» الإيراني أدنى من تلك الموجودة لدى إسرائيل ولدى القوى التكنولوجية العظمى الرائدة، وهما حذرا في المقابل من أن إيران تعمل بسرعة وفعالية على سدّ الفجوة.
سيبوني وكروننفلد ختما تقريرهما بالتحذير من خطورة التطور السريع لبناء القوة «السايبرية» في إيران والهجمات الإيرانية في هذا المجال. ففي رأيهما، إن إيران قادرة على تشكيل تحدّ لقدرات الدفاع الإسرائيلية بشكل أكبر من ذي قبل، لذا بات ضرورياً على إسرائيل بناء وتنظيم الدفاع «السايبري» بأسرع وقت ممكن، وتحديد العلاقة المتداخلة في ما بين المؤسسات المختلفة العاملة في هذا المجال. مع ذلك، يشير سيبوني وكروننفلد إلى أن الإجراءات الدفاعية ليست كافية، ولا بدّ لإسرائيل من شن هجمات استباقية وانتقامية أيضاً، تطال من لديهم نية إلحاق الأذى بها في الفضاء السايبري.