التوتر والقلق يسودان غالبية البلدات اللبنانية على الحدود مع سوريا. في منطقة راشيا، يرتفع منسوب الاستنفار. الأصوات الآتية من جهة جبل الشيخ تقلق أهالي وادي التيم، وخصوصاً أن الحدود باتت معبراً لمجموعات المسلحين المعارضين هناك. وبعد الذي جرى في عرسال، يبدو الأهالي أقرب إلى نظرية الأمن الذاتي، وخصوصاً في القرى التي تقع على الحدود المفتوحة. وبات أمراً عادياً مشاهدة أبناء البلدة يحملون السلاح، ومعهم شرطة بعض البلديات، ويتجمعون في لجان ينقصها التنظيم.
تتداخل مشاعات القرى اللبنانية والسورية في مسارب جبل الشيخ، فيصير الشريط الحدودي وهمياً بالمعنى الحرفي للكلمة، وهو يمتد في منطقة حاصبيا من شبعا ــ شويا ــ الخلوات ــ الكفير، إلى قرى عين عطا ــ عين حرشا ــ بكيفا ــ راشيا ــ عيحا ــ كفرقوق ــ دير العشاير في منطقة راشيا. وفي الجانب السوري، يمتد الشريط من قرى حضر وبيت جنّ ــ عرنة ــ دربل ــ الريمة ــ بقعسم ــ قلعة جندل في القنيطرة، وصولاً إلى يعفور في ريف دمشق، مروراً بقطنا العميقة داخل الأراضي السورية.
في الأعوام الماضية، تصاعدت الاشتباكات بين الجيش السوري واللجان الشعبية في القرى الدرزية من جهة، ومسلحي «الجيش الحر » و«جبهة النصرة» من جهة ثانية. يسيطر معارضو النظام على بيت جن ومزرعتها وعلى بيتيما وبيت سابر المجاورة للقرى الدرزية. وقد دارت اشتباكات كثيرة، ترافقت مع أعمال خطف وقتل في قرى عرنة وحضر الدرزية، التي تربطها علاقات قربى ومصاهرة مع القرى اللبنانية. إلّا أن الأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت تصعيداً غير مسبوق بعد احتلال المسلحين لقرية مغر المير الدرزية، وتصاعد عمليات الجيش السوري ضد المسلحين، ولا سيما في بيت سابر وبيتيما.

الموقوفون لم
يدخلوا لبنان لتنفيذ أعمال إرهابية، بل
لزيارة أسرهم


خلال السنوات الماضية، اقتصر دور قرى جبل الشيخ اللبنانية كشبعا وعين عطا، على كونها ممراً لوصول الجرحى السوريين إلى مستشفيات البقاع الغربي. وزاد الأمر بالنسبة إلى شبعا، بوصفها البلدة الأكثر اكتظاظاً للنازحين الآتين من بيت جنّ، ومكاناً للنقاهة بالنسبة إلى جرحى المسلحين، الذين يتلقون العلاج في مستشفيات البقاع الغربي، ثم يعودون إلى القتال بعد النقاهة في شبعا. إلا أن عمليات دخول الجرحى والنازحين كانت على مرأى ومسمع من الدولة اللبنانية، التي خضعت مراراً لإصرار الصليب الأحمر الدولي لإمرار الجرحى، وبرضى وتسهيل من جهات سياسية فاعلة في المنطقة، ولا سيما تيار المستقبل والجماعة الإسلامية والحزب التقدمي الاشتراكي، ممثلاً بالوزير وائل أبو فاعور.


اشتباك عين عطا

فجر الخميس الماضي، اشتبه شبان من عين عطا، بينهم أعضاء في الحزبين الاشتراكي والقومي، بسيارة فان بيضاء اللون تركن في بقعة بعيدة عن أعين حاجز الجيش اللبناني على مفترق شبعا ـــ عين عطا ــ الكفير، وتقف على الطريق الذي يخترق «وادي جنعم» في جبل الشيخ بين عين عطا وشبعا. عمد الشبان إلى مطاردة سيارة الفان حتى نقطة الجيش، وحصل إطلاق للنار بعد محاولة الفان الفرار، قُتل على أثره راكب وأصيب اثنان آخران. وتبين أن اللبناني مصطفى ع. مواليد بلدة الرفيد في راشيا، يعمل في سياق مهنته كمهرب، على مساعدة السوريين في الدخول خلسة إلى الأراضي اللبنانية. وقد أوقفه الجيش إلى جانب ركاب الفان وسائقه اللبناني أيضاً، وهو من أبناء بلدة البيرة، ليتبين من التحقيقات أن المهرب يرافق السوريين من بلدة بيت جن، ويسير بهم في مسارب جبل الشيخ بعيداً عن عيون نقاط الجيش، وكان الفان بانتظارهم. وتبيّن أيضاً أن الموقوفين ينتمون إلى كتائب في «الجيش الحر»، منها «لواء شهداء دروشة» الذي يرأسه المدعو حسين غازي محمد، و«لواء مقداد العمر» الذي يرأسه عمار البيش، و«كتيبة أحرار داريا»، و«كتبية بيت المقدس» التي تعمل في ريف دمشق ويرأسها المدعو حذيفة أبو حاتم، بالإضافة إلى جندي فار من «الكتيبة 1033» في الجيش السوري المرابطة في مطار الضبعة قرب مدينة القصير.
وقالت مصادر أمنية لـ«الأخبار» إن الموقوفين، بالإضافة إلى الجريحين اللذين نقلا إلى مستشفى فرحات في كامد اللوز، «لم يدخلوا لبنان لتنفيذ أعمال إرهابية، بل لزيارة أسرهم، ومن ثمّ العودة إلى القتال في سوريا». وأضافت: «إن استخبارات الجيش اللبناني كانت على علمٍ بعملية التهريب، وهي نصبت كميناً محكماً للفان، قبل أن يتدخل الشبان». مع الإشارة إلى أن المهرب اضطر أخيراً إلى استخدام طريق بيت جن ــ عين عطا بدلاً من شبعا بسبب الموقف الأخير لأهالي وفعاليات وبلدية شبعا، برفض دخول أي نازح جديد، وقد طُلب من عبد الله عدم دخول البلدة.


فوضى السلاح الأهلي

قد يكون حمل أبناء القرى السلاح إلى جانب الأجهزة الرسمية مبرراً، وخصوصاً أن المساحات الحدودية ومسارب التهريب تمتد إلى مسافات طويلة وتحتاج إلى عديد كبير من القوى الأمنية لمنع التهرب. وتعاظم القلق بعد أحداث عرسال. وسبّب التوتر مشكلات غير مقصودة، مثل حادث بلدة كفرقوق قبل أسبوعين، حيث تقابل مسلحون يناصرون النائب السابق فيصل الداوود ومسلحون اشتراكيون، ظنّاً منهم أن المجموعة المقابلة هي من المسلحين السوريين، وليس انتهاء بحادثة عين عطا.
لكن القلق الأكبر يتعلق بفوضى عمل هذه المجموعات اللبنانية، وتحذر مصادر رسمية من أن طريقة عمل هذه المجموعات قد تعرقل عمل الأجهزة الأمنية، فيما يُفترض أن لجان القرى تقف خلف الأجهزة الأمنية اللبنانية عبر التنسيق الدائم مع البلديات.
لكن «موضة» الأمن الذاتي آخذة في الاتساع، ولم تعد حكراً على فريق سياسي عند القوى الدرزية، إذ يسير الحزب الديموقراطي اللبناني بزعامة طلال ارسلان، وأنصار الوزير وئام وهاب على الخطى ذاتها. وبمعزل عن تجارب يعتبرها البعض مقبولة في منطقة حاصبيا لجهة التنسيق الكامل مع الأجهزة الأمنية، إلّا أن ما حصل في عين عطا، ينذر بمشكلة، ما يدفع الأهالي إلى طلب حصر المسؤولية في يد الدولة اللبنانية وأجهزتها، وتنظيم أي عمل شعبي ضمن إطار رسمي، وخصوصاً عبر البلديات.
ويقول وكيل داخلية راشيا في الحزب الاشتراكي رباح القاضي إن «الحزب يقف خلف الأجهزة الأمنية، والفوضى غير مقبولة». بدوره يؤكّد المنفذ العام للحزب القومي في راشيا زياد جمال، الأمر نفسه، مشيراً إلى أن «الأمن من مسؤولية القوى الرسمية، والأحزاب والأهالي خلف الجيش اللبناني». أما رئيس بلدية عين عطا، طليع خضر، فيشدد على التنسيق الكامل مع الجيش، طالباً من قيادته «نشر قوات أكبر في المنطقة بسبب وجود حالات تهريب عديدة، وهناك توتر جراء الخوف».

تمدد الفتنة

إلا أن المخاوف لا تقتصر على ما يأتي من الحدود مع سوريا، بل على الانعكاسات المحتملة مع قرى لبنانية تحتضن المسلحين السوريين أو تقدم الدعم والعون لهم. وقد برزت إشارات استياء لدى حلفاء تيار «المستقبل»، ولا سيما الحزب الاشتراكي، ما دفع فرع استخبارات الجيش في المنطقة إلى العمل مع اتحاد بلديات جبل الشيخ، لتخفيف التوتر، وخصوصاً في بلدة الرفيد. وقد شاركت الجماعة الإسلامية مع تيار المستقبل في الاتصالات لحصر الأمر ضمن دوائر فردية، وترك المعالجات الأمنية للقوى الأمنية الرسمية.
يشار إلى أن الأقطاب السياسيين في العاصمة، قد باشروا قبل نحو ثلاثة أشهر باتصالات شملت النائبين وليد جنبلاط وطلال أرسلان، والرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، إلى جانب قيادات أمنية ورجال دين، هدفت إلى منع تمدد مناخات الفتنة ذات الخلفية الطائفية الموجودة على الحدود السورية. وذلك ربطاً بكون المقاتلين ينتمون إلى تنظيمات إسلامية متشددة، بينما يتركز الوجود الدرزي في القرى المقابلة لبنانياً.