ذبلت الياسمينة الكبيرة في باحة منزل أحمد غية منذ أن غادر بلدته تكريت العكارية منذ 25 يوماً، ملتحقاً بمركز خدمته في عرسال، حيث أُسر خلال المعارك التي دارت بين إرهابيين والجيش.زهور الدار جميعها ذبلت، كحال أهله. نسيت أم علاء (أمه) أن تمد لها «نبريش» الماء لريّها. المرأة «عقلها مانو معها» تقول أختها. «البيت ما عم يفضى. كل أهالي تكريت عم يزوروها ويجبروا بخاطرها. بس هي ما طالع بإيدها غير تبكي على أحمد» ابن الـ 24 ربيعاً.

تنتفض من بين الحاضرين. وتتجه نحو باب غرفته: «هيك ترك غرفتو، وتركني، وراح». في اليوم الذي غادر فيه أحمد، كان أبناء تكريت يحتفلون بزفاف صديقه، تروي أخته «تأنق وذهب مع خطيبته إلى العرس. وما هي إلا لحظات حتى عاد إلى المنزل وبدّل ملابسه. قال إنهم طلبوه للالتحاق بمركزه. كان غاضباً وقلقاً». بواسطة تطبيق «الواتس آب» بقي التواصل مع أحمد مستمراً حتى ليل السبت، قبيل المعركة بين الجيش والإرهابيين. تؤكد أخته «ما كان يقلنا غير: أنا منيح. ما تخافو عليّ. قبل أن ينقطع الاتصال به». تسأل أم علاء: «ليش ما حدا عم يفهمنا شي عن ولادنا؟ ليش متكتم قائد الجيش عليهم؟ أنا أمّ قلبي محروق وهني إسا بيماطلو بالقصة. لو كان إبن قائد الجيش أو إبن واحد من السياسيين الكذابين كان قبلوا إنو يضل 25 نهار مخطوف؟ أم لأنّا فقرا معترين عم يبيعوا ويشتروا فيهم؟ بدنا ولادنا بأي ثمن. الدولة فوتت المسلحين على البلد وهيي تطلعن وتردلنا ولادنا. نحنا ناطرين كم يوم بس. من بعدا بدنا نعتصم قدام بيت رئيس الحكومة ووزارة الدفاع وقائد الجيش. والله لأحرق حالي إذا ما بيطلعولي إبني». على بعد أمتار من منزل أحمد، دكانة والده. لا يقوى الرجل الستيني على حبس دموعه. يقول «أنا الوحيد يلي ما ودعتو. كنت بالمحل وما عرفت إنو دقولو من الخدمة بنفس النهار يلي إجا فيه عالبيت من دون ما شوفو». منذ أن أسر ابنه، أجرى الكثير من الاتصالات، منها مع ضباط في الجيش أكدوا له أن ابنه بخير، ومنها مع أحد الأسرى الذين أطلقهم المسلحون. كما قابل قائد الجيش العماد جان قهوجي. «قال لنا إن قيادة الجيش تعتبر العسكريين أولادها ولن تهدأ قبل أن تعيدهم سالمين. لكن كل هيدا الكلام ما ريّحني. خايف تاخد القصة وقت متل قصة مخطوفي أعزاز. ساعتها ما بضمن أنا إبقى عايش حتى شوفو. كل سياسيي المنطقة دايرين ضهرن علينا. ما سمعنا كلمة الله يرجعو بخير من واحد منهم».
يسخر أحمد، ابن عم العسكري المخطوف، من «قصة هيبة الدولة. لو الدولة بدها تحافظ على هيبتها ما بتسمح لإرهابيين يفوتوا على حدودها وهي عم تتفرج. السياسيون ضغطوا على قائد الجيش ومنعوه من أن يحسم المعركة، يعني خلص، قضيوا على الهيبة من أساسها». فيما يشير خالد غية، قريب أحمد، الى أن صبر الأهالي بدأ ينفد. لا يرى الرجل مشكلة في مقايضة العسكريين بسجناء رومية: «الدولة أخطأت في عدم محاكمتها لهؤلاء. كل مكونات السلطة تعلم أن سجن رومية مهدد بالانفجار الآن أو لاحقاً، فلماذا لا يوافقون على مقايضة السجناء بالعسكريين؟».
ويحذّر من أن ملفاً بحساسية ملف العسكريين المخطوفين، «لا بد من إدارته بطريقة أكثر جدية، لأن من شأنه شقّ مؤسسة الجيش. فما من عسكري يرضى بأن يستمر في أداء كل واجباته تجاه وطنه، بينما لا تبذل الدولة جهداً لحماية زملائه وإنقاذ حياتهم».