إضراب نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان، الذي بدأ أمس ويستمر ثلاثة ايام، اقفل دوائر المؤسسة التي لم يطلها الإقفال القسري من جانب العمال المياومين سابقاً، إذ حضر موظفو المؤسسة إلى مراكز عملهم غير «المحتلة» واعتصموا فيها، احتجاجاً على استمرار المياومين السابقين في إقفال المقر الرئيسي للمؤسسة والعديد من دوائرها في المناطق، مطالبين بترفيع ملاك المؤسسة قبل تثبيت أي من العمال المياومين سابقاً.
يُفترض أن يستمر الإضراب والاعتصام اليوم وغداً، بحسب دعوة النقابة، ما من شأنه تمديد تعطيل القدرة على إجراء الإصلاحات على شبكة التوتر المتوسط، في ظل غياب إمكانية اجراء المناورات؛ فيما تستمر اعمال الجباية واستقبال طلبات الزبائن في المراكز غير المسيطر عليها من قبل المياومين، وإجراء الإصلاحات على شبكة التوتر المنخفض، وهو ما يمكن ان يتوقف في اي لحظة إذا استمر التجاهل لازمة الكهرباء ومستلزمات معالجتها.
أكمل إضراب نقابة العمال والمستخدمين إذاً مهمة المياومين السابقين بتعطيل عمل المؤسسة، لكن في سياق يخدم توجهات إدارة المؤسسة، التي تنتظر إيجاد حل (سياسي) للازمة.
تثني مصادر في النقابة على التزام الموظفين الحضور إلى مراكز عملهم حيث أمكن، للإضراب والاعتصام، مشيرة إلى غياب أي نية أصلاً للتجمع أمام مبنى المؤسسة المركزي، وبالتالي استبعاد احتمال الاحتكاك بالعمال المتمردين الذين يقفلون المبنى.

ينفّذ المستخدمون اضرابا لـ3 ايام ضد احتلال المياومين للمؤسسة!

يقول عضو في النقابة إن هدف الإضراب «تحريك المياه الراكدة على مستوى مجلسَي النواب والوزراء»، ودفع السياسيين للتحرك «لحل المعضلة التي يتحملون مسؤوليتها أساساً»، بخلقهم لظاهرة المياومين أولاً، وبطريقة التعامل معها ثانياً. «أضرب المياومون قرابة الـ100 يوم، ولم تقم القوى الأمنية بفتح أبواب المؤسسات التي أُقفلت عنوة. ثم حُل الموضوع بالتوافق السياسي، فصدر القانون الأعرج (الرقم 287)، وكان بمثابة قنبلة موقوتة»، يقول النقابي نفسه، مشيراً إلى أن النص الوارد في القانون، والقاضي بتثبيت عدد غير محدد من المياومين في ملاك المؤسسة «حسب حاجتها»، يعني رمي كرة الخلاف السياسي (أو بالأحرى تناتش الحصص حول مشروع شركات خدمات الكهرباء) إلى ملعب المؤسسة. إذا كان السياسيون يريدون إنهاء عقود الشركات المذكورة، فملاك المؤسسة يتسع لعدد يفوق عدد المياومين السابقين، أما «إذا كانوا يريدون استمرار عمل الشركات، فلماذا يلقون باللوم على المؤسسة»، يسأل النقابي، لافتاً أيضاً إلى أن القانون المذكور كان يُفترض أن يلحظ ترفيع ملاك المؤسسة أولاً، ومن ثم ملء المراكز الشاغرة بالمياومين.
يأسف النقابي للاستعاضة عن حل أزمة الكهرباء على المستوى السياسي بنقل الصراع إلى مستوى القاعدة (العمال وموظفي الإدارة)، مشيراً إلى أن أعطال الشبكة لن تُصلح ما لم تُحل الأزمة على المستوى السياسي. والأمر الأخير ليس مستحيلا، حتى بالاستناد الى المذكرة التي أرسلتها إدارة المؤسسة إلى مجلس الخدمة المدنية، والتي حددت فيها حاجتها بـ879 موظفاً من المياومين السابقين. فقد سبق لادارة المؤسسة ان ابلغت الوسطاء أن قرار مجلس الخدمة المدنية صالح لسنتين من تاريخ صدوره، وأن «تغييرات قد تطرأ» لحينه، علماً أن عدد المتقاعدين سنوياً من الخدمة في المؤسسة قد يسمح بإدخال عدد من المياومين السابقين يفوق الـ200 إلى ملاكها، على دفعات، وذلك بعد تثبيت 879 منهم بحسب المذكرة.
في هذا السياق، عقد نواب تكتل «التغيير والاصلاح»، إبراهيم كنعان وحكمت ديب ونبيل نقولا، مؤتمرا صحافيا، وتحدّثوا عن «عرقلة متعمدة» لقطاع الكهرباء ومشاريعه، هدفه إيصال القطاع إلى حالة من الفشل والتأزم تبرر الدعوة إلى «بيعه»، أي خصخصته بالكامل بنقل ملكية أصوله إلى القطاع الخاص، عوضاً عن خصخصته جزئياً بتلزيم نشاطاته إلى القطاع الخاص، مع احتفاظ الدولة بملكية أصوله وتحمّل مخاطره (تحميل الدولة كلفة المخاطر عبر تدفيعها ثم عقود التأمين لا يخرج عن هذا الإطار).
تساءل كنعان عن «سبب حرمان معامل الإنتاج المتوقفة المبالغ المالية المرصودة لها، وعن سبب العرقلة القانونية لإقرار عقود إنشاء معامل كهرباء جديدة لتفعيل معامل الذوق والجية ودير عمار، رغم تأمين التمويل الخاص من المصارف والصناديق المختلفة»، لافتاً إلى أن التأخير في تنفيذ العقود يرتب مبالغ مالية كبيرة على خزينة الدولة. عرقلة المشاريع، أياً كان صاحبها، هي عرقلة لمصالح اللبنانيين جميعاً، يقول كنعان، مضيفاً أن حل أزمة المياومين السابقين يكون عبر المؤسسات الدستورية كمجلس شورى الدولة، أو بالحوار «بعيداً عن الضغوط».
بحسب ديب، فإن مشروع قانون إنشاء خط الغاز الساحلي، وهو مشروع ضروري للتحول إلى استعمال الغاز لإنتاج الكهرباء بديلاً عن استخدام «أغلى المحروقات في العالم»، هو «أسير لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه» النيابية. «العرقلة مقصودة في مجلس الوزراء»، وأسبابها سياسية معلَنة، يوضح ديب أن قانون المحاسبة العامة يعطي صلاحية إجازة عقد نفقات المشروع للوزير المختص فقط (وزير الطاقة والمياه)، لا لمجلس الوزراء، مشيراً إلى أن تحويل الأمر إلى المجلس المذكور هو «زيادة في التسويف والعرقلة». يقول ديب إن هدف خفض إنتاج الكهرباء هو تخفيف عجز المؤسسة، ذلك أن تعرفة الكهرباء لا تغطي كلفة إنتاجها، في ظل سرقة التيار التي تفاقم العجز.
من جهته، كرر نقولا التلويح بالفتنة الطائفية، قائلاً إن أزمة المياومين «يمكن أن تؤثر في الوضع الأمني للمنطقة القائمة فيها المؤسسة». أشار نقولا إلى إصدار القانون 287 بالاتفاق السياسي بين الكتل السياسية الرئيسية، رغم أن مبدأ المباراة المحصورة مخالف للقانون العام، وشدد على عبارة (تثبيت المؤسسة لعدد غير محدد من المياومين) «حسب حاجاتها» الواردة في نص القانون ، لا على ملء جميع المراكز الشاغرة في الملاك. تحدث نقولا عن متغيرات أهمها السير بمشروع «مقدمي الخدمات»، أدت إلى «تقلص الحاجات (من الوظائف) لحدها الأدنى»، بحيث «لم يعد جائزاً ملء جميع المراكز الشاغرة». وصف نقولا مشروع «مقدمي الخدمات» بـ «الخطوة الهامة على صعيد الشراكة (بين القطاعين العام والخاص)»، وبـ«الحل الوحيد لإصلاح قطاع الكهرباء»، مشيراً إلى أن «التوظيف (في شركات الخدمات) متمم للتوظيف في الملاك»، فإذا ما أُلغي المشروع، تعود مهماته وشاغلو وظائفه إلى المؤسسة. ورأى نقولا أن «استمرار احتلال مبنى مؤسسة عامة أمر غير مقبول»، ويعني أن لا وجود حقيقيا للدولة.
في المقابل، قال رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه النائب محمد قباني إن مشروع قانون خط الغاز الساحلي ليس لدى لجنة الأشغال أصلاً كي تُتهم بعرقلته. يستغرب قباني «الخوف» من الخصخصة، مردداً مقولات «الدولة إداري فاشل وتاجر فاشل»، وأن «قطاع الكهرباء بات مخصخصاً في كل دول العالم»، وأن لبنان استلحق نفسه في هذا المجال بإقرار «الخصخصة الجزئية» عبر القانون 462، وقانون (أقره مجلس النواب في نيسان من العام الجاري) يجيز الترخيص لمنتجي كهرباء من القطاع الخاص «بصورة مؤقتة... إلى حين تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء». يستغرب قباني حديث البرتقاليين عن العرقلة، فيما «تسلموا الوزارة (الطاقة والمياه)، وأُعطي باسيل كل ما يريد، ليفشل فشلاً ذريعاً»!
في تطور لافت، دعا قطاع النقابات العمالية في «تيار المستقبل» أمس المياومين السابقين للعودة إلى التحرك السلمي وإعادة فتح أبواب مراكز مؤسسة الكهرباء في جميع المناطق، «كي يعود الموظفون والعاملون فيها ما يؤدي إلى رفع ساعات التغذية وإعادة التيار الكهربائي الى ما كان عليه»؛ ودعا «التيار» إلى «العودة إلى قانون تنظيم قطاع الكهرباء (462/2002)» (الذي ينص على «فكفكة» القطاع و«تشركته»)، فهل تكون الدعوة «النقابية» هذه في حقيقة الأمر دعوة إلى التفاهم السياسي على محاصصة مشاريع الكهرباء؟
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن عناصر من شرطة بلدية جزين خلعوا صباح أمس الأقفال التي وضعها المياومون السابقون على أبواب دائرة «الكهرباء» في جزين، ليصرّح رئيس البلدية خليل حرفوش بانه ليس ضد اضراب العمال المياومين وحقوقهم، شرط ان تبقى أبواب الدائرة مفتوحة لخدمة المواطنين وتأمين صيانة الشبكة.