ملاحظة ضرورية:الرجاء من العماد جان قهوجي، عدم قراءة هذا المقال بصفته أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية. وكذلك أعضاء «فريقه» المدني، ولا سيما مستشارو كل العهود، أو الطامحون إلى أدوار، وبعض «عسكريي النميمة»!


■ ■ ■


لا يحتاج العسكر في لبنان إلى الكثير من القصائد والأغاني. وبالطبع، هم ليسوا في حاجة إلى بيانات وخطب. وإذا قرروا القيام بواجبهم، فما كانوا يحتاجون حتى إلى القرار السياسي. لكن في حالتنا، تتحول القصيدة والأغنية والبيان والخطاب إلى ضرورة تغني عن غياب القرار السياسي. وما دام قادة الجيش لا يبادرون إلى خطوة تتجاوز الانضباط التقليدي، ولا تلامس حدود الانقلاب، فمن الصعب توقع الأفضل.

قبل بضع سنوات، هاجم مسلحون ينتمون إلى فرع من تنظيم «القاعدة» حواجز للجيش اللبناني في الشمال، وارتكبوا مذبحة تلتها معارك نهر البارد الشهيرة. الحرب دمرت المخيم، وراح نتيجتها ضحايا بالعشرات من العسكريين والمدنيين. مع ذلك، لم يعرف اللبنانيون سبب الأخطاء التي سببت المذبحة الأولى.
خلال السنوات الماضية، تعرض جنود الجيش، في طرابلس وصيدا والبقاع، لكمائن أودت بحياة عسكريين. وفي كل مرة، ينتهي الأمر من دون معرفة سبب الإخفاقات الأمنية أو العسكرية.
أخيراً، واجه الجيش عمليات متنوعة ضد قواته على حدود بلدة عرسال والطرقات المؤدية إلى جرودها، إلى أن حصل ما حصل باختطاف مجموعات مسلحة تقاتل في سوريا عشرات العسكريين وسوقهم إلى خارج البلدة ضمن اتفاق أمني، ثم ما لبثت أن أطلقت سراح بعضهم، بعدما ذبحت أحدهم، وها هي تهدد بذبح المزيد إن لم يطلق سراح الموقوفين من المنتمين إلى تياراتها من سجن رومية.
ها نحن نواجه مأزق التفاوض من عدمه، ولا أحد يعرف من المسؤول عن الأخطاء الأمنية أو العسكرية.
حجة قيادة الجيش، أن السلطة السياسية لا توفر له الغطاء السياسي الكافي، ولا تقدم له الموارد المادية والبشرية التي تتيح له خوض مواجهة شاملة مع المسلحين. وحجة قيادة الجيش، أيضاً، أنه يخضع للسلطة السياسية، فإن قررت الأخيرة التفاوض مع المسلحين كما حصل، تقبل القيادة وتنفذ القرار، حتى ولو سبّب خطفَ عناصر عسكريين وأمنيين ومدنيين. وحجة الجيش المستمرة، أنه ما دامت الحكومة تريد المفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، فليس لدى الجيش ما يقوم به. وتستمر الشكوى من قلة العديد، ونقص العتاد، وفقدان الموارد المالية التي تطور القدرات، وغياب القرار السياسي بالحصول على دعم سريع من مصادر شقيقة أو حليفة، لنعيش احتفالات، لأن أميركا أرسلت لنا عتاداً لا يكفي للمرافقين.

أي إجماع ننتظر
من قوى 14 آذار التي ترى في الجيش فرقة عند الولي الفقيه



في المقابل، نحو أربعين عائلة لبنانية لا تريد سوى عودة أبنائها سالمين. وبعض هذه العائلات تريد معرفة مصير أولادها، سواء أكانوا أحياءً أم شهداء. هذه العائلات لم تعد مهتمة بكل ماء الوجوه، ولا يهمها التفاوض أو غير التفاوض. لا يهمها إطلاق سراح مسلحين متهمين بأعمال قتل أو غيرها. هذه العائلات تريد عودة الأبناء ونقطة على السطر.
لكن، هل الأمور تقف عند هذا الحد؟
لنحسم، أولاً، أنه في ظل هذه الطبقة من المسؤولين على اختلاف مواقعهم، فإن العائلات محقة في ما تطلبه، ومن لديه رأي مختلف، فليرسل ابنه أو أحد أفراد عائلته في رحلة سياحية إلى جرود عرسال، لا في مهمة عسكرية.
لكن، ثانياً، هل ناقش الجيش مرة واحدة وضع مديرية الاستخبارات فيه؟ وهل هي على قدر المسؤولية؟ وهل خبراتها وطاقاتها وبرامج تدريبها وطريقة عملها تتناسب وكل المتغيرات التي جرت خلال السنوات الأخيرة في لبنان والمنطقة؟ أم أن علينا الاكتفاء بما يصل إلى هذه المديرية من «هبات معلوماتية»، محلية الصنع أو إقليمية أو دولية؟
هل يمكن أي مسؤول في الجيش إقناعنا بأن التنسيق جار بطريقة منطقية مع بقية الأجهزة الأمنية، من فرع المعلومات «القوي والمنتج»، إلى الأمن العام «المثابر لكي ينجح»، إلى غيرهما، بما يمنع الفضائح ويحمي القوات المنتشرة على الأرض قبل أي شيء آخر؟
هل حصل أن جرى تعديل على برامج التدريب للوحدات القتالية بما يتناسب وقدرات الأعداء من مسلحين أو جماعات، والتكيف مع المناطق الجغرافية، وتأمين أبسط وسائل التواصل اللوجستي، بما يمنع التورط في معركة خاسرة، أو يسمح بعمل استباقي ناجح، أو يحقق مواجهة منطقية؟
مع الأسف، لسنا في حاجة إلى ردود أو توضيحات من أحد.
اليوم، يوجد ضباط كبار في مواقع بارزة يعرفون أن عملاً ميدانياً ضرورياً يجب القيام به من دون انتظار قرار سياسي، وأن مواجهة الخطر لا تحتاج إلى إجماع لن يتوافر، ما دام فؤاد السنيورة والقوى الإسلامية يرون في الجيش فرقة عند الولي الفقيه، وما دام كل فريق 14 آذار لا يعرف للجيش قائداً سوى ميشال عون، فعن أي إجماع تبحث قيادة الجيش؟
إما أن تضع قيادة الجيش خطة بالإمكانات المتوافرة تقينا شر التسويات والصفقات المذلة، وإما أن تفرض على السياسيين، كما على المواطنين، قرارات يشعر الناس بأنها حقيقية مهما بلغت كلفتها... وغير ذلك، فالأفضل، هو الذهاب إلى البيت!