في جرود عرسال المحتلة، يجلس مجرم مجهول، متحصناً بتخاذل السلطة اللبنانية وعجزها، ويقرر إيقاع الحياة في لبنان. يختار طائفة ليستفزها، مراهناً على غضب أبنائها، علّ في غضبهم ما يسمح له بتمديد سلطانه، أو ما يحرج خصومه. الجريمة الأخيرة (قَتلُ العسكري علي السيد)، أريدَ منها تحريض «أهل السنة». الموعد اليوم مع الطائفة الشيعية.
«أجدد نسخة» من أمراء «داعش» في الجرود بعث عبر وسطاء برسالة أمس يقول فيها: «إذا لم تفرج الحكومة اللبنانية عن أسرانا في رومية غداً (اليوم)، وإذا لم يتعهّد القطريون بأنّها ستفعل خلال وقت قصير، فسنذبح جندياً شيعياً». ولإضفاء «الصدقية» على تهديده، سلّم جثمان الشهيد الرقيب علي السيد، ورأسه مفصول عن جسده. قطع «الدواعش» الشك باليقين. لم تعد القصة قصة صور وشريط فيديو بإمكان أي كان أن يشكك في صحتها. الجثمان نُقِل إلى المستشفى العسكري، وأصدرت قيادة الجيش بياناً قالت فيه إنها تسلمت الجثة، وأن فحوص الحمض النووي ستُجرى لتحديد هوية صاحبها. لكن العسكريين تأكدوا: «إنه رأس علي السيد، العسكري الذي خطفه الإرهابيون من عرسال في الثاني من آب الماضي». السلطة السياسية صامتة. في زمن اندثار الحدود، وخراب الدولة، ها هي تلهو بمهرجانات فولكلورية لإحياء ذكرى إعلان «دولة لبنان الكبير».

العملية العسكرية لتحرير
الرهائن غير مطروحة: الجيش غير قادر ولا قرار سياسياً


الخاطفون لم يلاحَقوا بعد، ولم تُطلق رصاصة باتجاههم، ولم يتعرضوا لأي ضغط، منذ أن خرجوا آمنين من عرسال ورهائنهم العسكريون والأمنيون معهم. وأمام هذا العجز المطلق، بات بإمكان تنظيم «داعش» أن يلهو أيضاً، بدماء اللبنانيين. وجديد ما يقدّمه أحجية اسم أميره. كان اسمه أبو عبد الله العراقي، ثم صار أبو حسن الفلسطيني، ثم أبو طلال الحمد. آخر نسخة ظهرت أمس اسمها «أبو حسن السوري». وكل واحد يُقال عنه إنه أكثر دموية من سابقه. ويقول وسطاء إنهم حاولوا ثني الأخير عن قرار ذبح جندي جديد من الجيش، لكنه أبى. إلا أن الأمل لم يسقط نهائياً. ربما لا يريد «أبو حسن السوري» سوى اللهو بأعصاب اللبنانيين.
ماذا ستفعل السلطة لمواجهة المذبحة؟ لا شيء.
قبل أن يبصر النور، سقط اقتراح عقد صفقة تبادل بين لبنان وبين جماعتي «داعش» و«جبهة النصرة»، اللتين تخطفان نحو 25 عسكرياً ودركياً في جرود عرسال المحتلة. النائب وليد جنبلاط سرعان ما تنصل من اقتراحه إجراء مقايضة بين جنود الجيش والدركيين المخطوفين، وبين موقوفين إسلاميين في سجن رومية، يطالب الخاطفون بالإفراج عنهم. وأعلن جنبلاط أنه يرفض المقايضة، داعياً إلى الإسراع في محاكمة الموقوفين. سياسياً أيضاً، مبدأ المقايضة مرفوض من غالبية القوى السياسية، سواء في 8 آذار أو 14 آذار. وحده تيار المستقبل حمل لواء الصفقة. قضائياً أيضاً، وقانونياً، أبلغ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد أن القانون لا يتيح الاستجابة لمطالب الخاطفين، وخاصة منها إطلاق سراح الموقوفين في ملف فتح الإسلام. فأكثر من نصف الموقوفين في هذا الملف حكم عليهم المجلس العدلي، فيما إنجاز محاكمة النصف الآخر بحاجة لعام واحد على الأقل، بحسب ما نُقل عن فهد في الاجتماع الأمني في السرايا الحكومية أول من أمس. وتبيّن للحاضرين أن إطلاق سراح هؤلاء تحديداً بحاجة لقانون يصدره مجلس النواب، أسوة بالقانون الذي خرج بموجبه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من السجن.
وفور شيوع معلومات عن إمكان إطلاق موقوفين ومحكومين إسلاميين من سجن رومية، بينهم موقوفون اعترفوا بتورطهم بعمليات تفجير إرهابية خلال العام الفائت، جرى الحديث خلال اليومين الماضيين عن نية عائلات بعض ضحايا التفجيرات القيام بتحركات احتجاجاً على البحث في إمكان إطلاق قتلة أبنائها. كذلك طالب أهالي سجناء جنائيين بشمول أبنائهم بأي قانون عفو يتيح إخراج «موقوفي الإرهاب» من خلف القضبان.
وقالت مصادر سياسية، من انتماءات سياسية مختلفة، وأخرى أمنية لـ«الأخبار» إن الموافقة على إطلاق سراح موقوفين تحت ضغط خطف العسكريين سيفتح باب الخطف على مصراعيه، وسيجعل كل جندي أو دركي رهينة يمكن اختطافها في أي لحظة، للمطالبة بإطلاق سراح موقوفين أو محكومين بجرائم مختلفة. وتقاطعت مواقف سياسيين من مختلف القوى عند كون «خيار التبادل مرفوضاً مطلقاً، ولا يمكن أن يمر، لا في مجلس الوزراء سيحظى بأكثرية، ولا في مجلس النواب». ما العمل إذاً؟ تجيب مصادر معنية بالملف: سيستمر التفاوض، بالوتيرة ذاتها. وسنبقى كما نحن الآن! وماذا عن الخيار العسكري لتحرير الرهائن؟ تجيب مصادر سياسية بالقول: «هذا الخيار غير مطروح. الجيش غير قادر. ليس لديه مخزون كاف من الذخائر لتنفيذ عملية. لا صواريخ للطائرات، ولا كميات كافية من الذخائر للجنود. وقبل ذلك، قرار السلطة السياسية لا يسمح بخوض معركة في جرود عرسال».