«يا علي وين رحت يا علي»، تصرخ زوجة العسكري الشهيد علي السيد منتحبة. تُبعد عنها كل من يحاول الاقتراب منها. تجمع ثيابه بين يديها وتقول: «راح علي. أنا لشو عيشتي بقا». بالقرب منها تصرخ والدته المفجوعة: «أنا ما ربيتو وكبرتو وفوتو على الدولة حتى يردولي ياه مدبوح. ليش قتلوه ليش؟». ما تفعله النسوة والرجال في فنيدق هو أقل ما يمكن فعله لروح علي، وفق ما يرى عمه.
يقول: «صحيح أن الخبر لم يصدم العائلة، لكننا حاولنا مراراً عدم الاعتراف بالحقيقة إلى حين تسلم الجثة. فمنذ سربت صوره مذبوحاً على أيدي عناصر «داعش»، أصرت والدته على أنه هو. حاولنا إقناعها بأن قيادة الجيش لم تؤكد ذلك. كنا نحاول إقناع أنفسنا بأن الصور كاذبة، متمسكين بنافذة أمل صغيرة، ليتضح أن الصور حقيقية وجثته في الطريق إلينا». يبكي علي هو الآخر قائلاً: «دولتنا بهدلتنا». أحد الحاضرين في المنزل في فنيدق العكارية يقول: «يا ليته استشهد في المعارك. لكانت فنيدق بغير حال اليوم».

هاجم شبان خيماً لنازحين
سوريين وشنوا حملة لطردهم
من البلدة



أبناء العائلة متعبون. لا يفكرون بالخطوات التي سيتخذونها لاحقاً. فكرة عودة علي إليهم ورأسه مفصول عن جسده تقتلهم ببطء. الصمت يخيّم عليهم فلا يهاجمون أحداً، ولا يعاتبون السياسييين ولا ينقمون على قيادة الجيش. يبدو لهم نحر علي بالسكين لا يتماشى مع المنطق والعقل. حتى أدى انفعال بعض الشبان إلى مهاجمة خيم النازحين السوريين، وشنوا حملة لطردهم من البلدة. ما دفع عائلة السيد إلى نشر بيان باسمها، ناشدت عبره «أهالي فنيدق الحفاظ على إخوانهم الضيوف السوريين»، معتبرةً أن «أي اعتداء عليهم يمس بحرمة الشهيد وعائلته، فلا نحملهم وزر غيرهم».
الفاجعة التي حلت في فنيدق أرخت بثقلها على كل السكان من دون استثناء. يتساءل موظف في بلدية فنيدق، كان صديقاً لعلي: «ماذا يمكن أن نقول لابنته عندما تكبر. ستسألنا حتماً كيف استشهد أبي؟ هل نقوى على أن نقول لها إنه ذبح؟ ذبح علي وبقينا نحن صامتين؟». رئيس البلدية خلدون طالب، يجهش بالبكاء كالطفل عند سؤاله متى ستصل جثة علي. يرتجف قبل أن ينطق: «غداً في الصباح سيكون علي بيننا جثة. على عكس ما تمنينا لمدة شهر كامل». في اليومين الماضيين عاد الحلم برجوع علي من عرسال بخير يراود أهالي فنيدق، ولا سيما بعدما نطق الأسير المحرر العسكري إبراهيم شعبان بعبارته «علي على قيد الحياة» التي أثلجت قلوب الجميع. وسمحت لمخيلاتهم أن ترسم صوراً عن عودة علي. لكن هذا الأمل سرعان ما انطفأ، عندما تبلّغت عائلة السيد من أحد أعضاء هيئة علماء المسلمين تسلم جثة ابنها.
من عرسال نُقِلَت جثة الشهيد إلى المستشفى العسكري. إلى هناك أيضاً ستتوجه غداً والدة علي وشقيقه لإجراء فحص الحمض النووي والتأكد من أن الجثة تعود إلى علي السيد.
تزامناً، أخلى ذوو الأسرى المخطوفين الخيمة المنصوبة في محلة المحمرة في المنية، وعادوا إلى بلدتيهما (فنيدق والقبيات) للمشاركة غداً في توديع الشهيد علي في بلدته.
وكان أهالي العسكريين المخطوفين قد قطعوا صباحاً، الطريق العام في كل من المحمرة والقلمون في الاتجاهين بالإطارات المشتعلة، مطالبين بالإفراج عن أبنائهم. ثم أعادوا فتحها مع شيوع نبأ تسلم جثة الشهيد السيد. كذلك، نظمت وقفة تضامنية معهم بدعوة من اتحاد بلديات جرد القيطع، وأصدروا بياناً أكدوا فيه أنّ «على الحكومة اللبنانية أن لا توفر وسيلة من شأنها الإفراج عن أبنائنا، فلا تنتقص كرامة الدولة وهيبتها بتفاوض أو بتنازل ما حفاظاً على أرواح جنودنا الأسرى، بل ما يمرغ هيبة الدولة بالطين ويمس كرامتها هو استقبالها لأسرانا مقطوعي الرؤوس».