فيما يبدي العالم كله قلقاً متزايداً من الفظائع التي يرتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية»، تبدي إسرائيل قلقها أيضاً، لكن ليس من أفعال التنظيم وفظائعه، بل من انشغال العالم به، وتأثير ذلك على البرنامج النووي الإيراني، سواء لجهة تراجع الاهتمام الدولي به، أو لجهة إمكانية حصول تقارب محتمل مع إيران، على خلفية حاجة الغرب إليها لمحاربة «الدولة الإسلامية»، واستفادة إيران من هذا التقارب بما يخدم مشروعها النووي.
القلق الإسرائيلي يأتي على وقع المخاوف من سير المفاوضات المقرر استئنافها قريباً بين إيران والدول الكبرى، حيث أعرب وزير الشؤون الاستراتيجية، يوفال شتاينتس، خلال جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست أمس، أن النتيجة بعد أحد عشر عاماً من المفاوضات هي اقتراب النظام الإيراني من امتلاك أسلحة نووية.
وأضاف شتاينتس أن طهران قدمت بعض التنازلات في الأمور الهامشية، ولكن موقفها من القضية الرئيسية، أي تخصيب اليورانيوم، لم يتغير قط، لافتاً أيضاً إلى أن إسرائيل تبذل قصارى جهدها لمنع إبرام اتفاق سيئ بين الجانبين، ولكنها لا توهم نفسها في ما يتعلق بمدى نفوذها.

حسم المواجهة لمصلحة الرئيس السوري سيمثل تحدياً أمنياً وسياسياً لإسرائيل


هذا ومن المقرر أن يرأس شتاينتس وفداً إسرائيلياً يزور واشنطن الأسبوع القادم لتنسيق المواقف بين البلدين توطئة لاستئناف المفاوضات بين إيران والدول الكبرى.
الوفد سيضم، إلى جانب شتاينتس، مستشار الأمن القومي في مكتب رئيس الحكومة، يوسي كوهين، ورئيس الدائرة الاستراتيجية في وزارة الخارجية، جيرمي يسسخاروف، ومسؤولين آخرين من اللجنة للطاقة الذرية والموساد ووزارة الأمن وشعبة الاستخبارات العسكرية.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإن المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني هي جزء من الحوار الاستراتيجي السنوي بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وبخصوص المخاوف الإسرائيلية، نقل موقع «والاه» عن مسؤولين إسرائيليين مشاركين في المحادثات، قولهما إن إسرائيل تريد التأكد من أن ما يحصل في العراق، لن يؤدي إلى تغيير في خط الدول الغربية تجاه إيران. ولفت الموقع إلى استمرار القلق الإسرائيلي من سيناريو تعاون بين إيران والولايات المتحدة في العراق، حيث ساحة القتال الرئيسية ضد «الدولة الإسلامية». ويأتي ذلك بالرغم من توضيح مسؤولين أميركيين لإسرائيل، قبل شهرين، أن المعركة ضد «الدولة الإسلامية» والمعركة ضد البرنامج النووي الإيراني هما «قضيتان منفصلتان تماماً».
لكن ما زاد توجس الإسرائيليين، سماعهم الترحيب الإيراني بدعم الولايات المتحدة تعيين حيدر العبادي بدلاً من نوري المالكي رئيساً للحكومة.
في هذا المجال قال مسؤول إسرائيلي لموقع «والاه» إنه لو حصل ذلك قبل 3 سنوات لكانت إيران قد احتجت واعتبرت ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية للعراق، ولكنها أيدت المبادرة الأميركية هذه المرة وقدمت لها الدعم المخفي.
في سياق متصل، تناول العديد من الخبراء طبيعة وحجم التهديد الذي تمثله «الدولة الإسلامية»، إذ رأى رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، اللواء عاموس يدلين، أن الخطر الفوري المحدق بإسرائيل من «الدولة الإسلامية» يتمثل بصرف الانتباه في إسرائيل وفي العالم عن البرنامج النووي الإيراني، الذي هو، برأيه، الخطر الاستراتيجي الحقيقي، سواء على أمن العالم أو على أمن إسرائيل.
وعليه، رأى يدلين، في مقالة له في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن الهدف الاستراتيجي الأهم للأمن القومي الإسرائيلي يبقى بلا تغيير: منع التحول النووي لإيران ومنع تبلور اتفاق بينها وبين الدول العظمى لا يوفر رقابة متشددة كافية على نشاطها النووي ويبقي لديها قدرة على الانطلاق نحو النووي في غضون فترة زمنية قصيرة.
أما عن التهديد الذي يمكن أن يشكله «الدولة» على إسرائيل، فرأى يدلين أنه لا يختلف جوهرياً عن تهديد «القاعدة» الذي تتعايش معه إسرائيل منذ أكثر من عقد. وفي ضوء ذلك، يؤكد يدلين أن «داعش» لا يشكل تهديداً ذا مغزى على إسرائيل في المدى الزمني القريب، بل، بمعنى معين يوفر صعوده بنظر إسرائيل، عدة فرص استراتيجية للتعاون مع دول أخرى معنية بالمس به، مع الولايات المتحدة وأوروبا، ومع دول المنطقة، وعلى رأسها الدول السنية المعتدلة من خلال إيجاد وتعزيز علاقات عمل وثقة بين أجهزة الأمن.
الباحث في مركز «موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا»، ناحوم شيله، نشر مقالاً في موقع «والاه» رأى فيه أن أي تدخل عسكري أميركي فعال ضد «الدولة الإسلامية»، في العراق أو سوريا، يفرض على الولايات المتحدة التنسيق مع قوات عسكرية تابعة للمحور الإيراني.
ورأى شيله أن إيران هي الرابح الأكبر من تقدم «الدولة» لأنه سيكون بإمكانها مطالبة الولايات المتحدة بدفع ثمن لقاء الخدمات التي تقدمها، وأنه مقابل أي دور في الحرب على «الدولة»، سيطالب الإيرانيون واشنطن بإبداء مرونة في محادثات جنيف، إلى جانب اشتراطهم رفع العقوبات الاقتصادية. شيله أشار إلى أن القضاء على «الدولة» في هذا الوقت تحديداً يعني التأثير سلباً على مصلحة إسرائيل المتمثلة في إطالة أمد المواجهة الداخلية في سوريا، والعمل على تأجيل حسمها، على اعتبار أن هذا من شأنه إضعاف كل الأطراف، ويمكن إسرائيل من إعداد البدائل الكفيلة في مواجهة الواقع في سوريا.
وحذر شيله، من أن حسم المواجهة في الوقت الحالي لمصلحة نظام الرئيس بشار الأسد سيمثل تحدياً أمنياً وسياسياً لإسرائيل، مشيراً إلى أن هذه النتيجة تعني تعزيز المحور الإيراني في المنطقة.