صعب جداً ان يكون لبنان صياداً قوياً في غابة المنافسة الدولية. أوّلاً، تهدّه الأمراض الداخلية التي تصعّب عليه الحركة والتقدم لإغواء الطرائد – وهم المستثمرون والسياح والشركات والوظائف. ثانياً، فيما يغرق بأمراضه وتعصف به رياح النزاعات الإقليمية، تتقدم عليه بلدان وإمارات، وتُكرّس مناطق أخرى نفسها بديلاً مقنعاً عن هذه البقعة المتوسطية. لكي يبقى حياً، يُرسل هذا الصياد المريض أبناءه للاصطياد والمنافسة بحنكة وفطنة وتغذيته عن بعد أو عبر الزيارات الخاطفة. ويبقى يئنّ متراجعاً على سلّم المنافسة عاماً بعد عام.
فلنترك التشبيه جانباً، تُظهر المؤشرات الخاصة بتنافسية لبنان/ البلد تدهوراً مستمراً. آخرها تقرير التنافسية الدولية الذي يُعده منتدى الاقتصاد العالمي، والذي نشر هذا الأسبوع نسخته لعام 2014 – 2015.

لا مفاجآت مدوية هذا العام، أكانت سلبية أم إيجابية. فقد مضى وقت طويل على لقب سويسرا الشرق. اليوم يبقى البلد الأوروبي في المرتبة الأولى على رأس 144 بلد، فيما يهوي لبنان عشر درجات إلى المرتبة الـ 113؛ مع العلم أنه كان في المرتبة الـ89 قبل ثلاثة أعوام. وحصل لبنان على علامة تبلغ 3.68 من أصل سبع نقاط، وتقدم عربيا على ثلاث دول فقط هي مصر (119) وموريتانيا (141) واليمن (142)، وحل في المركز الـ127 في ما يتعلق بالمتطلبات الأساسية للتنافسية، وهي تشمل مؤشر المؤسسات، وقد صنف فيه لبنان في المركز الـ139، ومؤشر البنية التحتية، التي حل فيها في المركز الـ122، فيما حل في المرتبة الـ143 عالميا في تصنيف البيئة الاقتصادية الكلية. وفي المقابل، حاز لبنان المركز الـ30 عالميا في ما يتعلق بالصحة والتعليم الابتدائي، وهو المؤشر الذي نال عنه تصنيفه الأفضل.

يبقى لبنان يئنّ
متراجعاً على سلّم المنافسة عاماً بعد عام


التراجع ليس مفاجئاً نظراً إلى التخبط الهائل الذي تشهده البلاد في مختلف المجالات التي يُفترض أن تمثّل رافعة لقدراتها التنافسية؛ تكفيك الأزمة السورية والأزمة السياسية المحلية، اللتان تزيدان المصاعب في اقتصاد ريعي بامتياز، يقوم على إدارة الموارد بحسب بورصة المحسوبيات والمصالح، وفي بعض الأحيان على النكت الاقتصادية السمجة!
من بين العوامل الكثيرة التي تؤثر في تنافسية لبنان تبرز أربعة أساسية تحظى بنسبة تفوق 10% من استطلاع للرأي أجراه برنامج «بادر» (برنامج الشباب المبادر) بصفته شريكاً لمنتدى الاقتصاد العالمي في هذا المجال؛ وهي عدم توافر البنية التحتية الملائمة، الفساد، بيروقراطية غير فعالة على مستوى الحكومة، عدم استقرار الحكومة.
هكذا يستمر لبنان في تسجيل أسوأ أداء في العالم على صعيد ثقة الشعب بالسياسيين وبخططهم؛ كذلك هو من بين الأسوأ في مجال فاعلية الكهرباء، إذ يسبق بلدا واحدا فقط؛ هو أيضاً من أسوأ اللاعبين الدوليين في قطاع التكنولوجيا: يحل أمام بلدين فقط بحسب مؤشر تأمين الحكومة للمنتجات التكنولوجية المتطورة، كذلك يهوي إلى المرتبة الـ139 بقياس دور الاستثمارات الأجنبية في نقل التكنولوجيا الجديدة وتوطينها بين مفاصل اقتصاده.
الكلام عن المساوئ اللبنانية سهل، وقد أضحى رتيباً ومملاً في ظلّ التهديدات الوجودية التي تُفضّل الغالبية الساحقة تقديمها على سلم الاولويات أمام أي شيء (حتى امام الحقوق المتراكمة وأمام المشاريع الحيوية).
ماذا عن الإيجابيات إذاً؟ هل هناك ما يبعث على الأمل في إمكان المنافسة وإن بهوامش محددة يُمكن البناء عليها في عالم أجمل مستقبلاً؟
تماماً كما في التقرير السابق، وفي التقويم منذ عام 2010، حين بدأ إعدد المؤشر اللبناني، يلمع اسم لبنان على لوائح المؤشرات الخاصة بقطاعي التعليم والصحة.
بدايةً، هو يحلّ خامساً في العالم بحسب المؤشر الثانوي الخاص بنوعية التعليم في مجالي الرياضيات والعلوم. كذلك يقنص المرتبتين الـ 16 والـ17 في مجالي نوعية التعليم الابتدائي ونوعية إدارة المدارس على التوالي. وتُعدّ المرتبة الـ28 التي يحصّلها على مستوى نوعية النظام التعليمي الجامعي نقطة إيجابية إضافية.
ولكن رغم أن تنافسية لبنان في قطاع التعليم تبقى قوية، وتحديداً لدى مقارنة البلاد بإقليمها، إلا أنّ النظام التعليمي برمّته ينخره الفساد ويهدّه سوء الإدارة. لا يمكن حالياً حصر الانعكاسات السلبية للمخرج الذي اجترحته وزارة التربية والتعليم العالي لمعضلة سلسلة الرتب والرواتب، فالإفادات الثانوية التي مُنحت للطلاب عوضاً عن الشهادات لن تفيد حامليها بقدر ما تفيد إدارات الجامعات الخاصة، التي ستشهد بوابات دخولها هذا العام طلباً قياسياً، وستقتصر البصمة الأكاديمية «التنافسية» لشريحة كبيرة من الطلاب، على أرباح إضافية تحققها الجامعات، وعلى وقت ضائع يُمكن استغلاله في الإنتاج.
ثانياً، في مجال الصحة، يُحقّق لبنان خرقاً مفاجئاً، إذ يقنص مرتبة أولى لا يحلم بها في أي مجال آخر: بحسب مؤشر نسبة المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة (السيدا) يتقدم لبنان على جميع البلدان المدروسة. وهو عموماً يسجّل نتائج مقبولة نسبياً في قطاع الصحة عموماً، وإن كانت المؤشرات المستخدمة هنا بعيدة نسبياً عن الواقع ومقتضياته في البلدان المتحولة كلبنان.
كذلك يخصّ منتدى الاقتصاد العالمي القطاع المصرفي بتنويه خاص بصحّته، إذ يُصنفه في المرتبة الـ27 بين الاقتصادات المذكورة، مكرساً بالتالي مقولة تبجيل المصارف على حساب الاقتصاد برمته.
إذاً، في نهاية استعراض مقومات لبنان التنافسية في هذه اللحظات الحرجة، يتمحور الامل حول بقاء الأمراض بعيدة، واستمرار النظام التعليمي في تلقين التلامذة معادلات رياضية صحيحة، بغض النظر عن استبدال الشهادات الرسمية بالإفادات ومصائبها.




تراجع حادّ في آب

يقول فادي عسيران، المدير العام لـBLOMINVEST BANK، إن الاشتباكات بين الجيش اللبناني والجماعات المسلحة في منطقة البقاع، بالإضافة إلى الأزمة السياسية المستمرة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، كان لهما تأثيرهما السلبي على الاقتصاد وعلى السياحة بشكل خاص. من هنا، تراجع كل من الطلب ومستوى نشاط الأعمال بشكل حاد مع تقلص طلبيات التصدير الجديدة نظراً إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في العراق. ومن المتوقع أن تحمل الأشهر القليلة المقبلة الكثير من التحديات على الصعيدين الأمني والسياسي، الأمر الذي سيؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي».
كلام عسيران جاء في إطار تقديم نتائج المسح الشهري الحادي عشر حول النشاط الاقتصادي لشركات القطاع الخاص اللبناني، الذي تقوم به شركة ماركيت Markit منذ شهر أيار 2013 ليعطي مؤشراً مبكراً عن الأعمال في لبنان، وهو يعرف بمؤشر BLOM PMI.
وبالاستناد الى المسح الذي جرى بين 12 و22 آب، فإن تراجع الإنتاج لدى القطاع الخاص اللبناني هو الأكثر وضوحاً منذ شهر شباط، وقد ربطت الشركات المشاركة في الاستبيان هذا الأمر بشكل كبير بالمشكلات الأمنية ونتائجها المترتبة على السياحة. كما شهدت الطلبات الجديدة لدى الشركات أقوى تراجع لها خلال ستة أشهر، ويعود ذلك جزئياً الى اشتداد التراجع في أعمال التصدير. وقد سارعت الشركات الى خفض مستويات التوظيف والحد من نشاط الشراء تزامناً مع تدهور الأوضاع الاقتصادية. وشهد نشاط الشراء تراجعاً حاداً، مع تسجيل معدل التراجع أعلى مستوى له منذ بدء الاستبيانات في أيار 2013. وتبعاً لذلك، هبطت مستويات المخزون بعد شهرين من التقدم المتواصل.
وقد أدى هبوط مستويات الشراء الى تخفيف الضغط على الموردين، الأمر الذي ترجم بتحسن مواعيد تسليمهم للمواد والبضائع الى الشركات خلال شهر آب. علاوة على ذلك، فقد حقق تقلص المهل الزمنية، وهو الثالث على التوالي، أفضل مستوى له منذ بدء الاستبيانات.
على صعيد آخر، أشارت البيانات الخاصة بالأسعار إلى المزيد من انحسار التضخم في القطاع الخاص في لبنان. وقد شهد متوسط أسعار المنتجات سابع تراجع له على التوالي خلال الأشهر الثمانية الماضية، وسط ضغوط تنافسية وضعف في الطلب (وإن كان أقل حدة من تراجع شهر تموز). في الوقت نفسه، سجلت الشركات هبوطاً في متوسط الكلفة للمرة الأولى منذ خمسة أشهر. وكان لتراجع متوسط أسعار الكلفة الأثر الأوضح على متوسط أسعار الشراء منذ بدء الاستبيانات. من ناحية أخرى، استقرت كلفة التوظيف تقريباً بعد تراجعها الطفيف خلال الشهر الماضي.