خلاصة قداس «شهداء القوات اللبنانية»، الذي أقيم أول من امس في مقر رئيس الحزب في معراب، أنه «إذا دعا داع، او داعش، فنحن للمقاومة جاهزون، ولن نموت إلا واقفين». تراجع سمير جعجع، ولو قليلاً، عن موقفه في 13 آب الماضي، الذي قال فيه إن «داعش كذبة كبيرة». صارت «داعش»، في نظره، سرطاناً.
العبارة ذاتها استخدمها الرئيس الأميركي باراك اوباما، لكن ساكن معراب لم يتبع ساكن البيت الأبيض حرفياً، ففيما قال الاخير إن القضاء على «داعش» في حاجة إلى وقت طويل، رأى جعجع ان التنظيم الممتد من الموصل وحزام بغداد إلى حلب وعرسال «ما زال محصوراً، وبالتالي قابلاً للاستئصال بسرعة اذا ما تضافرت الجهود والإرادات على ذلك، ولقد تضافرت من خلال تحالف دولي عربي».
منذ بات «الحكيم» في ما يُشبه «الاقامة الجبرية»، سقط الطابع الشعبي عن القداس السنوي. قبل ساعات من بدء القداس، بدأ أهالي «شهداء القوات» يصلون الى معراب، آتين أساساً من الشمال والبقاع. النائب نديم الجميل آخر الواصلين الرسميين، يستعجله جعجع الدخول فقد دقت الساعة الصفر. هذه المرة غابت صور السياسيين الراحلين، باستثناء صورة الرئيس بشير الجميل، واستعيض عنهم بلائحة كبيرة عليها أسماء «شهداء الجمهورية القوية».
حالما اتخذ جعجع وزوجته ستريدا مكانهما حتى علت الأصوات تنشد «وحياة اللي راحوا»، بالتزامن مع استعراض لـ«كشافة الحرية». حضرت قوى 14 آذار بمعظم أركانها، ولكن الغائب الأبرز كان حزب الكتائب، الذي اكتفى بايفاد نائب رئيسه شاكر عون ممثلا عن الرئيس أمين الجميل. أما نديم ووالدته صولانج توتنجي، فهما في معراب بصفتهما «ابن بشير وزوجته». يضحك مسؤولون قواتيون لدى سؤالهم عن «شبه المقاطعة» الكتائبية: «اسألوا الكتائب لماذا غابوا، ربما للأمر علاقة بالسياسة». يرفضون الاجابة عما اذا كان ذلك يعني اجهاض الجميل لمبادرة جعجع الرئاسية.
اعتلى جعجع المنصة عابساً، فصرخ الحضور «يا حكيم ما تعبس، بدك قوات منلبس»، ملوحين بالاعلام اللبنانية التي وزعت عليهم. لم يكن جعجع على سجيته. بدا مرتبكاً، يداه ترتجفان ويجد صعوبة في التنفس، الأمر الذي تبرره مساعدته أنطوانيت جعجع بأن «الحكيم يتأثر فعلا في هذه المناسبة. فهو يستذكر الشهداء وبطولاتهم، ويرى امامه الأمهات الحزينات». قطع كلمته مرتين حتى «يبل ريقه» ببعض الماء، ولكنه بدا متمكناً اكثر من القراءة عبر «البرومبتر» (الشاشتان غير المرئيتين امامه). تفاعله مع الجمهور، جعله يسترخي. اما هم، فقد ارتفع الادرينالين في دمهم حين صرخ «لا تخافوا، فنحن ابناء المقاومة اللبنانية التاريخية، ابناء ثورة الأرز الحقيقية، أحفاد البطاركة والمقدمين». بدا لافتا حين عدّد أسماء شهداء «ثورة الأرز»، انه لم يذكر الرئيس رينيه معوض، برغم حضور ابنه ميشال. أكد أن الخيار الاول والوحيد هو الدولة «ولكن اذا اضطررنا، فسنقاتل كي لا نسقط وكي لا يسقط أحد بعد اليوم». توقف عند تضحيات الفلسطينيين في حربهم الأخيرة، «لقد أثبتت أحداث غزة أنّ الشعب الفلسطيني بالتحديد هو صاحب القضية الفعلي الحقيقي، إذ تحمّل وزر القصف والدمار والموت والحصار والصعوبات من دون حساب».
أما في السياسة، فلم يأت بجديد. اكتفى بانتقاد طرح تكتل التغيير والاصلاح، من دون أن يسميه، انتخاب رئيس من الشعب. والسبب استنادا الى القواتيين: «ما من تطورات سياسية تستدعي مواقف جديدة». اعاد خطاب زملائه في 14 آذار، الذين ساووا بين حزب الله وداعش، «ما أدّى الى وجود داعش هو مجموعة دواعش موجودة أمام أعيننا، لكننا لا نراها بالوضوح عينه بفعل التمويه والدهاء والقفازات المخملية».
انتهى القداس، ولكن «رحلة» الحاضرين الى أرض القوات لم تنته. فقد انتظروا قرابة ساعة ونصف ساعة في انتظار الباصات التي ستعيدهم الى حيث ركنوا سياراتهم. برغم تكليف القيادة عدداً كبيراً من الشبان والشابات تنظيم الحفل، فإن المناسبة القواتية امس كانت الأقل تنظيماً.