"السوريون جرّبوا كل أنواع الموت: قصفاً، حرقاً، ذبحاً، ردماً، جوعاً، عطشاً، برداً". لعل هذه العبارات التي دوّنت على فايسبوك تختصر حالة اللاجئين السوريين في لبنان أو حتى في أقطار مختلفة. النازحون من مناطق الجحيم السوري والقاطنين على كامل الأراضي اللبنانية لم يكفهم كل أنواع هذا الموت. منذ تواجدهم هنا، حمّلوا وزر الجرائم ونقص المياه والخبز وصولاً الى الأوكسجين.
ولا شك في أن هذا الكلام يعيدنا بالذاكرة الى حلقة 10 تموز (يوليو) من برنامج "نهاركم سعيد" على lbci (الأخبار :11/7/2014) عندما أتحفنا بها مدير عام "ستاتستكس ليبانون" ربيع الهبر بأرقامه عن استهلاك السوريين اليومي لميغاوات الكهرباء وليترات المياه وأرغفة الخبز ولم ينقص هذا الإحصاء سوى تعداد كميات الأوكسجين الداخلة الى أجسامهم.
الذي يحصل اليوم على الارض اللبنانية لا سيما بعد استشهاد الرقيب علي السيد والجندي عباس مدلج ذبحاً على يد التنظيم الإرهابي "داعش" هو المزيد من الغرق في وحول الوحشية والعنصرية المتماثلة مع هذا التنظيم. ملاحقة وانذارات بالطرد عمّت جميع المناطق اللبنانية من دون استثناء وعادت عبارات "يمنع منعاً باتاً تواجد أي سوري عامل أو مواطن في هذه المنطقة (..) والا سيتعرض للإهانة والطرد والضرب هو ومن يحاول مساعدتهم". أوراق على هذه الشاكلة مهرت على جدران المناطق مع تغيير طفيف فقط في اسم المنطقة. تبع هذه البيانات ملاحقات في الشارع وفي خيم اللاجئين وأماكن أرزاقهم .هكذا جن جنون اللبنانيين "غضباً" على ما اقترفته ايدي "داعش" وأتى التعميم بدمغ كل هؤلاء بالجرم والإشتراك في الذبح. التحريض الميداني وصور الملاحقات المخزية التي تباهت بها بعض المواقع الإلكترونية وادعت أن الملاحقين هم من "الدواعش" تبعتها حملات عنيفة على مواقع التواصل الإجتماعي تحرّض فيها على السوريين بل ذهب البعض الى السخرية من هلع ورعب هؤلاء لدى هروبهم من مساكنهم خوفاً من التهديد والموت.
البقعة البيضاء المشرفة تسجل في إقدام الناشطين على القيام بحملات مضادة. استخدم هؤلاء سلاح التشهير في وجه هؤلاء المحرضين ونشروا مدوناتهم وكلماتهم المقيتة بغية التبليغ عنهم. وأشهر سلاح تم تداوله سريعاً هو النداء الذي وجه عام 2006 اي إبان حرب تموز الى الأسر السورية إذ تضمن دعوة لهم بفتح أبواب بيوتهم لإستضافة "الأسر اللبنانية الشقيقة" التي نزحت إثر العدوان الإسرائيلي مع وضع لأرقام الهواتف المفتوحة على مدار 24 ساعة بغية إنعاش الذاكرة بما قدمه السوريون لأشقائهم اللبنانيين.