بعد انتظار دام عامين ونصف عام، صدر قرار مجلس شورى الدولة في الدعوى التي رفعتها بلدية عبيه ـ عين درافيل على وزارتي المالية والداخلية ومجلس الإنماء والإعمار، للمطالبة بما كفله مرسوم تحديد أصول وقواعد توزيع أموال الصندوق البلدي المستقل، من حوافز مالية للبلديات، تترجم من خلال المرسوم المذكور، بزيادة ستة دولارات أميركية على حصتها في العائدات التي تترتب لها من أموال الصندوق البلدي المستقل، عن كل طن من النفايات الواردة إلى المطمر الصحي في نطاقها العقاري من البلديات الأخرى.
المراجعة التي رفعها المحامي أسعد عطايا بوكالته عن رئيس مجلس بلدية عبيه ـــــ عين درافيل غسان حمزة، وبموجب قرار بلدي، واجهت سيلاً من الردود من قبل الجهات المدعى عليها، تشير بوضوح إلى أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة رفضت على الدوام إعطاء البلديات التي قبلت بإنشاء مطامر للنفايات في أراضيها حوافز مالية، وأن القرارات السبعة التي أصدرها مجلس الوزراء بهذا الشأن، لم تكن إلا وعوداً كاذبة لإمرار قرارات تمديد العمل بالمطمر الذي استقبل إلى اليوم ما يزيد على ١٨ مليون طن من نفايات ٢٩٣ بلدية في محافظتي بيروت وجبل لبنان (راجع الأخبار العدد ١٦٦٥ الأربعاء ٢١ آذار ٢٠١٢).

ثبّت مجلس شورى
الدولة الصلاحية المطلقة للوزير بمخالفة القانون

وبدل أن يكون القضاء الملجأ الأخير لحفظ الحقوق ولإنصاف الضحايا، ولوقف تعسف الدولة الإداري، جاء قرار الغرفة الأولى في مجلس شورى الدولة برئاسة القاضي شكري صادر وعضوية جان دارك الحاج ويحيى الكركتلي وريتا القزي مخيباً للآمال.
اعتبر القرار الصادر في منتصف حزيران الماضي أن المادة ١١ من المرسوم ١٩١٧ (تحديد أصول وقواعد تنظيم أموال الصندوق البلدي المستقل قد حددت قيمة الحق المعطى للبلديات الواقع في نطاقها مطمر للنفايات، ونصت على بعض عناصر التطبيق، بحيث ألقت المبالغ المترتبة عن الطمر على البلديات المستفيدة من الطمر، وحددت مكان اقتطاع هذه المبالغ، وهو حصتها في الصندوق البلدي المستقل، غير أن هذه العناصر تبقى غير كافية، إذ يقتضي لتطبيق المادة ١١ من المرسوم المذكور تحديد آلية من شأنها أن تبين للإدارة كميات النفايات المطمورة والبلديات المستفيدة من الطمر والجهة الصالحة لوضع جدول بالكميات وإيداعها الإدارة المختصة باقتطاع المبالغ من حصتها في الصندوق البلدي المستقل.
ويضيف قرار شورى الدولة: «بما أن ما تقدم دعا إلى تضمين المادة ١١ من المرسوم المذكور بنداً ينص على أن تحدد بقرار من وزير الداخلية والبلديات أصول قواعد واحتساب المبالغ المترتبة على كل بلدية لمصلحة البلدية التي ينشأ فيها المطمر، وبما أنه يقتضي والحال ما تقدم اعتبار تطبيق المادة ١١ معلقاً على أعمال البند الأخير منها وأن إصدار مرسوم توزيع الأموال عن العام ٢٠١٠ دون تطبيق هذه المادة يقع في موقعه القانوني السليم»!
بعبارة أخرى، يثبت مجلس شورى الدولة في قراره الصلاحية المطلقة لوزير الداخلية بمخالفة القانون والمرسوم التنظيمي وقرارات مجلس الوزراء المتكررة، ما دام لم يقم بواجباته بتحديد آلية الدفع واحتساب المستحقات، وبما أنه يقتضي والحال ما تقدم اعتبار أن لا قيمة للنصوص القانونية في لبنان ما دامت هذه النصوص ربط تنفيذها بقرارات إدارية، وعلى المشترع أن يفند في القانون والمرسوم الدقائق والتفاصيل وربما قتضى أن يرفق القانون بأمر دفع من المحتسب المالي حتى يحصل الناس على حقوقهم. أما عدا ذلك، فستجد الدولة مئة طريقة للتهرب من الدفع مراراً وتكراراً ثم يأتي القضاء لينطق جملته الشهيرة «يقع ذلك كله في موقعه القانوني السليم»!
ويستدل من اللوائح الجوابية التي تقدمت بها وزارة الداخلية إلى مجلس شورى الدولة، أن الدولة اللبنانية ذهبت أبعد من ذلك في إنكار الحقوق، وتمادت في إطلاق العنان لتحليلاتها القانونية لتبرر مخالفتها للقوانين والمراسيم، فاعتبر أن مرسوم صرف الأموال يوازي في مرتبته القانونية مرسوم أصول قواعد صرف الأموال! أما مجلس الإنماء والإعمار، فذهب إلى أبعد من ذلك في المحاججة القانونية، معيباً على الجهة المدعية أنها لم تقدم دليلاً على أن المطمر يقع في نطاقها العقاري، مخالفاً مبدأ الخصم الشريف، وحاجباً حتى اللحظة الأخيرة جميع الخرائط والمستندات والكشوفات التي تبين وقوع المطمر في النطاق العقاري لبلدية عبيه ـ عين درافيل والجداول الصادرة عن مدقق حسابات شركتي سوكلين وسوكومي (دي جي جونز) التي تبين بالغرام كمية النفايات التي دخلت المطمر ومن أي بلدية أتت وعلى أساس شهري وسنوي.
وبالتزامن مع الدعوى المرفوعة أمام شورى الدولة، كانت الحكومة تناقش ملف النفايات الصلبة ووصلت مجدداً إلى حائط مسدود في إيجاد مطمر بديل لمطمر الناعمة – عين درافيل، وفيما كان الوزراء المعنيين ونواب المنطقة يؤكدون للأهالي والبلدية أن حقوقهم محفوظة، كانت الدوائر القانونية لهذه الوزارات تقدم اللائحة الجوابية تلو الأخرى إلى مجلس شورى الدولة، منكرة هذه الحقوق ومطالبة بردّ الدعوى!
كان الرئيس شكري صادر يعرف أن إصدار قرار بردّ الدعوى في وقت امتلأت فيه طرقات بيروت بالنفايات، سيزيد من النقمة الشعبية، فاختار أن يجمّد بتّ الدعوى لأكثر من سنة، إلى أن وجد النائب أكرم شهيب «الحل الوسط»، فبادر إلى اقتراح قانون معجل بدفع الأموال المستحقة لبلدية عبيه ـ عين درافيل و13 بلدية أخرى بمفعول رجعي من عام 2008، إضافة إلى إعفائها من الديون المستحقة عن خدمات النظافة للأعوام السابقة وإلى حين إغلاق المطمر. فما كان من مجلس شورى الدولة إلا أن ضمّن نص هذا القانون قراره النهائي، معتبراً أن يشمل الحقوق التي تطالب بها المستدعية، راداً الدعوى في الأساس.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar