هذه ليست صفحات «العربي والدولي»، لكن تنظيم حفلتين لـ«جوقة الجيش الأحمر» في بيروت ليس خبراً مفصولاً تماماً عن السياسة الدولية. نحن في زمن استرجاع كرامة روسيا التي ضاعت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. روسيا اليوم ليست روسيا التسعينيات التي كان يشارك فيها رئيسها في تصوير إعلان تجاري أميركي، لمن يذكر. «جوقة الجيش الأحمر» لم تتوقف عن العمل، لكنها اليوم تطل على الجمهور في العالم بفخر. هي صورة مصغرة عن روسيا/ بوتين. روسيا القوية بانفتاحها الاستراتيجي من جهة، وباعتزازها بهويتها وتاريخها قبل الاتحاد السوفياتي وخلاله أيضاً، من جهة ثانية.
لكن للموسيقى أيضاً قوة مستقلة عن التغيرات السياسية. الاتحاد السوفياتي انهار والجيش الأحمر تغير اسمه قبل الانهيار ثم تخلى عن عقيدته بعد الانهيار، أما جوقته العظيمة فلم تهتزّ، لا شكلاً ولا مضموناً. في البداية، يجب توضيح أمر مهم. «جوقة الجيش الأحمر» هو اسم لفرقتين. تأسست الأولى عام 1928، والثانية التي تزورنا عام 1939 وهما الوحيدتان المخوّلتان رسمياً حمل هذا الاسم. بالمناسبة، ما من فرقة موسيقية عسكرية في التاريخ عرفت المستوى العالي والشهرة الأسطورية التي تتمتع بها «جوقة الجيش الأحمر». باستثناء المارشات التي ألفها الضابط الأميركي جون فيليب سوزا (1954-1932)، ما من موسيقى عسكرية اهتم ناشرو الموسيقى في العالم بإصدارها في أسطوانات وتسويقها كما فعلت مع تلك الروسية. كأي تجربة موسيقية مرموقة، نجد عشرات الإصدارات باسم «جوقة الجيش الأحمر» رغم الحساسية الغربية المرَضية من كل ما يمت للون الأحمر بصِلة!
إذاً، بدعوة من «وي غروب» وبالتعاون مع سفارة روسيا الاتحادية و«سوليدير» (لماذا لم/ لا يبادر الحزب الشيوعي اللبناني إلى دعوة هذه الجوقة لإحياء احتفالات تأسيسه؟!) يحل اللواء فيكتور يليسييف على رأس أكثر من 120 منشداً وراقصاً وموسيقياً لتقديم أمسيتين (مساء اليوم وغداً) عند واجهة بيروت البحرية. الفرقة التابعة مباشرة لوزارة الداخلية الروسية، التي افتتحت الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي مطلع السنة، تقدّم أولاً الفولكلور الروسي المعروف، بالإضافة إلى مقاربات «روسية عسكرية» لأعمال بعيدة كل البعد من نمطها وثقافتها.
سياسة الانفتاح هذه انتهجها اللواء يليسييف منذ توليه قيادة الجوقة عام 1985، إذ قرر الابقاء على ربيرتوار فرقته الأساسي والعمل في المقابل على تطعيمه بما يلائم العصر. هكذا قد نسمع «كالينكا» و«كازاتشوك» وبعدهما «Get Lucky» لفرقة Daft Punk الـ«سوبر عصرية»، التي غزا ألبومها (والأغنية المذكورة بالتحديد) العالم الصيف الماضي.



«جوقة الجيش الأحمر»: 20:00 مساء اليوم وغداً ــــ «واجهة بيروت البحرية» ــ للاستعلام: 01/980650