إذا صدقت التسريبات وعُقدت جلسة نيابية بغياب أي نية لإقرار الحقوق في سلسلة الرواتب حتى لو وضعت السلسلة بنداً على جدول أعمال الجلسة، فإنّ الحجة التي واجهت فيها السلطة السياسية مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية بالإفادات تكون ساقطة، ولا تتجاوز القضية عندها مجرد ضرب هيئة التنسيق. «ما في جلسة»، كانت هذه العبارة التي استخدمها وزير التربية الياس بوصعب للضغط على الهيئة، بكل ما ترتب على ذلك من إعطاء الإفادات والضرب بالشهادة الرسمية عرض الحائط.
لكن، ماذا فعلت هيئة التنسيق النقابية منذ ذلك الحين، وماذا تخطط للأيام المقبلة؟ في الأيام الماضية، انصرف كل مكون من مكونات الهيئة لإجراء تقويمه الخاص للحراك لينقل خلاصات النقاشات والاستنتاجات إلى الاجتماع الماراتوني الذي عقدته الهيئة، يوم الجمعة الماضي، في مقر نقابة المعلمين. الاجتماع لم يكن مخصصاً لبحث مناخات التقويم فحسب، إنما تطرق المجتمعون أيضاً إلى معوقات العام الدراسي الجديد، وخصوصاً أنّ وزير التربية طرح إمكان عقد لقاء مع الهيئة لمناقشة هذه التحديات والتنسيق في وضع الحلول. وتقرر أن يكون اللقاء مع الروابط التعليمية وليس مع هيئة التنسيق.
ومن التحديات ضعف الإقبال على التعليم الرسمي في المراحل الأساسية، إذ لم تتجاوز نسبة المسجلين في المدارس الابتدائية والمتوسطة حصراً بعد نحو أسبوعين على بدء أعمال التسجيل 20 % في أحسن أحوالها، فبعض المدارس لم تستقطب حتى الآن أكثر من 10 % من قدرتها الاستيعابية. إلّا أن البعض يقلل من خطورة هذا التحدي، باعتبار أن الوضع ليس استثنائياً ولا يختلف عن الأعوام السابقة، والتسجيل لا ينتظم عادة قبل بداية الشهر المقبل، بالنظر إلى التلامذة الذين يساعدون أهاليهم في الأعمال الزراعية مثل قطاف الزيتون وغيره. هذا لا يعني عدم الاستنفار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في المدرسة الرسمية، كما يقول مسؤول الدراسات في رابطة أساتذة التعليم الأساسي الرسمي عدنان برجي، «بعدما تمادت الحكومات المتعاقبة والطبقة السياسية في إضعافها وزعزعة ثقة الناس بها لمصلحة مدارس خاصة تحولت بغالبيتها إلى مؤسسات تجارية تبغي أقصى درجات الربح». وفي موضوع السلسلة، يلفت برجي إلى أننا «نحتاج إلى التفكير ملياً بنقاط الضعف والقوة، ولا سيما أنّ الكثير من الأهالي يحملوننا مسؤولية التفريط بالشهادة الرسمية ونسبة الـ 32 % في برنامج كلام الناس ليست مزحة». ويدعو إلى أن تكون جلسات التقويم صريحة وشفافة ولا تلغي هواجس كل قطاع من القطاعات المكونة للهيئة، تمهيداً لإعداد تقرير موحد تناقشه مجالس المندوبين والجمعيات العمومية، مستبعداً اللجوء إلى خيار الإضراب في المدى المنظور.

لم تستقطب مرحلة التعليم الأساسي حتى الآن أكثر من 20 % من التلامذة

وضع ورقة تفاهم مطلبية توحد الرؤية لجميع الروابط وما إذا كانت هناك امكانية لعمل مشترك أو لا، هذا ما طالب به أيضاً نائب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة وليد الشعار، و»لا سيما أن السياسيين لعبوا في المرحلة السابقة على التناقضات والشرذمة في المطالب بين القطاعات». وقد اقترح الشعار لتصويب أداء الهيئة عقد ورشة عمل تهدف إلى توقيع هذه الورقة وإلى وضع نظام داخلي لهيئة التنسيق من أجل أن تكون مؤسسة منظمة وعصرية. الاقتراح حظي بموافقة الهيئة الإدارية للرابطة التي قررت أن يكون موعد الورشة في النصف الأول من تشرين الأول المقبل. ويقول رئيس الرابطة محمود حيدر إنّنا سننظم الورشة على مدى يومين، بإشراك باقي مكونات هيئة التنسيق ومجموعة من الخبراء القانونيين والمتخصصين وبعض النواب الذين درسوا السلسلة في اللجان النيابية. وستقارب عنوانين: تقويم المرحلة الماضية وتحويل الروابط إلى نقابات. لكن هناك من يتمنى ألا يبقى العنوان الثاني فولكلورياً و»كليشيهاً»، وأن يصار فوراً إلى اعداد اقتراح قانون يوقع عليه 10 نواب، علماً بأن البعض يرفض إنشاء النقابات عبر قانون تنظيمي خاص، ويطالب بإلغاء كل المواد التي تحظر على الموظفين إنشاء النقابات، وإقرار الاتفاقيات الدولية التي تنص على حرية التنظيم النقابي.
«إذا لم نناقش الماضي لا نستطيع استكمال المعركة»، يقول رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض، انما النقاش «يجب أن يكون تحت سقف وحدة هيئة التنسيق وحماية المكسب الوطني الذي تحقق أي انتاج هيئة نقابية مستقلة عابرة للطوائف وترفض الدخول في البازار السياسي، وإذا لم ننل المكسب المادي، فإنّ ذلك لا يجب أن يدب فينا الإحباط، بل أن يحفزنا على وضع خطة عمل للمستقبل». ما هي ملامح هذه الخطة؟ يستبعد محفوض أن «نلجأ إلى اعتماد خطة تحرك تصعيدية ميدانية في الوقت الراهن، أو هذا على الأقل موقفي الشخصي، إذ لا أولوية الآن تعلو على الأولويات الأمنية وتحرير العسكريين المخطوفين».
بات واضحاً، بحسب رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، أن «السلسلة لن تطرح إلّا في إطار كونها عنواناً للملف الاقتصادي والاجتماعي وجزءاً من مشروع تقويض القطاع العام، ويجب أن نضع ذلك في الحسبان عند وضع أي خطة تحرك مستقبلية». فالتقويم للمرحلة السابقة قطع، كما يقول، شوطاً كبيراً وقد أنجز في بعض الأماكن ولم يستكمل في أماكن أخرى. برأيه، ينبغي أن تتضمن الرؤية التي سنضعها حماية الإنجازات لكون العمل السابق كان استثنائياً وغير مسبوق في تاريخ الحركة النقابية، وتلافي الثغرات في الوقت نفسه لمعرفة على أي أساس سنتحرك. ما يعنينا بالأولوية ضمان الحقوق وليس إقرار ضرب الحقوق، ولو كان هناك مجرد ضمانة من السياسيين لهذا الجانب، لكنّا عدنا إلى التصحيح ولجنبّنا طلابنا كارثة الإفادات».