«ما متت، ما شفت مين مات»؟ يقول رب عائلة من بلدة رأس بعلبك بلهجة الواثق، معلناً قراراً «لا رجوع عنه» بعدم تسجيل ولديه في معهد عرسال الفني الذي شهد معارك عنيفة بين المسلحين والجيش بداية شهر آب المنصرم، إذ استولى مسلحو «داعش» و»النصرة» عليه وعلى مركز الكتيبة 83 المجاور، وهناك استشهد ضباط وعسكريون، وخُطف آخرون. «المسلحون هناك لا يوفرون أحداً. ينزلون من الجرود إلى عرسال حين يشاؤون، ويأخذون منها مَن يشاؤون، ويعودون إلى الجرود دون أن يعترضهم أحد»، يقول الرجل، سائلاً كيف له أن يرسل أولاده إلى عرسال في ظرف كهذا: «يُقبر العلم وصحابه عند سلامتهم»!
ينسحب القرار بعدم تسجيل الطلاب في معهد عرسال الفني على جميع أولياء أمور الطلاب، ليس في بلدة رأس بعلبك وحسب، بل في بلدات الفاكهة والجديدة والعين والنبي عثمان واللبوة أيضاً؛ وذلك بسبب «قلق وخوف» الأهالي على أبنائهم لما يمكن أن يتعرضوا له «من أعمال خطف وقتل على أيدي مسلحين لا يوفرون أحداً من أبناء عرسال والقرى المجاورة، أو حتى من السوريين النازحين».
شمل القلق والخوف أيضاً 35 معلماً ومعلمة في المعهد من أبناء القرى المذكورة، يقولون لـ»الأخبار» إنّ «من المستحيل» أن يدخلوا البلدة مجدداً بعد ما شهدوه من عمليات خطف وقتل. حتى الأمس القريب، أي قبل «غزوة عرسال»، كان المعلمون يعتبرون الأمور «طبيعية وضمن المقبول»، بدليل «استمرارهم العام الماضي بالصعود إلى عرسال والتعليم في مهنيتها، رغم انعدام الأمن هناك؛ حتى مع تعرض بعض الاساتذة لعدد من المشاكل، وضرب أحدهم (المهندس ع. ع)». إلا أن استباحة مسلحي «داعش» و»جبهة النصرة» لعرسال الشهر المنصرم، وقتل وخطف عدد من أبنائها ومن العسكريين فيها، دفعا كافة المعلمين إلى رفض الذهاب إلى عرسال، بحسب أحد الأساتذة.
في قرى البقاع الشمالي ثلاث مهنيات خاصة، ولا مهنيات رسمية إلا في مدينتَي بعلبك والهرمل وفي بلدة القاع. قبل أيام معدودة من بدء الدراسة في المعاهد الفنية، صدرت تعاميم إدارية تحدد موعد البدء بالأعمال التحضيرية اعتباراً من منتصف الشهر الجاري. يرى هشام العرجا رئيس بلدية رأس بعلبك، أن على وزارة التربية ومديرية التعليم المهني والتقني «المسارعة إلى تفعيل قرار استحداث مهنية العين الرسمية». تتوسط العين بلدات الراس والفاكهة والجديدة واللبوة والنبي عثمان، ولذلك «كان القرار باستحداث (المهنية) ووضع الحجر الأساس لها» هناك، بحسب رئيس بلدية العين علي ناصر الدين الذي يقول إن أبناء بلدته وقرى البقاع الشمالي ما زالوا ينتظرون تنفيذ الوعد بتفعيل المهنية.