ارتاح المخرج المصري الكبير سعيد مرزوق (1940 ـ 2014) من المرض العضال. غادر الحياة أول من أمس السبت بعد صراع مرير مع المرض دفع رفاقه إلى ضغط على الدولة للتكفل بعلاجه بعد عجز نقابة السينمائيين عن تحمّل التكاليف بمفردها. المخرج الراحل تواجد ثلاث مرات في قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية التي أعدتها نخبة من النقاد والسينمائيين عام 1996.
أما الأفلام الثلاثة فهي: «زوجتي والكلب» (1971) من بطولة سعاد حسني ونور الشريف، ويعدّ أول أفلامه الروائية، و»أريد حلاً» (1975) أحد أشهر أفلام «سيدة الشاشة العربية» فاتن حمامة، و»المذنبون» (1976) الذي تسبب في أزمة رقابية. بعد التصريح بعرضه، اعترض مصريون في الخليج على «المذنبون» بدعوى أنّه يشوه صورة مصر في الخارج، فسُحب من الصالات وعوقب الرقباء الذين سمحوا بعرضه. وفق كتاب «فيلسوف الصورة» لمجدي الطيب، قدم سعيد مرزوق 14 فيلماً روائياً فقط طوال مشواره السينمائي الذي استمر أكثر من 50 عاماً، من بينها أفلام « المغتصبون» الذي أعاد تجسيد قضية اغتصاب فتاة المعادي الشهيرة في الثمانينيات وأدت بطولته ليلى علوي، و»آي آي» لمحمد عوض وليلى علوي وكمال الشناوي، و»المرأة والساطور» لنبيلة عبيد وأبو بكر عزت وهو أول فيلم عن قتل الأزواج على يد الزوجات وتقطيعهم بالساطور. آخر أفلامه كان «قصاقيص العشاق» (2003) لنبيلة عبيد وحسين فهمي. بعدها، غاب مرزوق عن البلاتوهات، وأطل فقط عام 2013 في مناسبة تكريمه ضمن «المهرجان القومي السابع عشر للسينما المصرية».
لم يدرس مرزوق السينما، بل جعلها مدرسته الخاصة. تعلّمها منذ كان في السابعة عشرة في «استوديو مصر» في القاهرة. منذ عام 1964، عمل مخرجاً للتلفزيون المصري واهتم في تلك الفترة بالأفلام الروائية والتسجيلية، فأخرج فيلمه التسجيلي «أعداء الحرية» عام 1967 الذي نال جائزة في «مهرجان لايبزيغ» في ألمانيا.
لم يكن مرزوق أحد هؤلاء الذين يزاحمون الصورة بالتفاصيل المملة. كان يحب المغامرة والتجريب ويترك اكتمال المشهد للمتلقّي الحر. لا يجبره على شيء. فقط يترك له بعض التفاصيل الصغيرة التي توحي بكثافة المشهد. كان مرزوق يشاهد أفلامه على نار هادئة. يحاول الاقتراب من حالة الكمال البصري، فأفلام كـ «زوجتي والكلب»، و»المذنبون» و»قصاقيص العشاق» صنعها بحساسية شديدة كمن يلمع تماثيل من الخزف. لم تكن تهمه الصورة النهائية، بقدر ما كان يستمتع بلحظات اختمار الفيلم أثناء المونتاج والترتيب. وقد حاول أكثر من مرة أن يدخل إلى نسيج المجتمع من خلال مجموعة أفلام أشبه بالمشرط منها «أغنية الموت»، و»أريد حلاً» الذي تسبب في تغيير مواد قانون الأحوال الشخصية.
لعب مرزوق دور التنويري في السينما المصرية. كان من كبار المجددين على مستوى الصورة البصرية: الوجوه منحوتة بكتل من الظل والضوء. الكاميرا تقترب ببطء من حافة المشهد لتدخل في صمت إلى عمق التفاصيل. لا ثرثرة أو كلمات فضفاضة، فقط ما قل ودلّ من الصورة البصرية التي تكتنز بالدلالات والإشارات الموحية. بهذه الكلمات البسيطة يُمكننا أن نلتقط خيطاً من الكرة الصوفية لمسيرة سعيد مرزوق الذي سيظل اسمه خالداً في الذاكرة الجمعية كواحد من «معلمي» السينما.