قد يكون أهم ما خرج به مؤتمر باريس، يوم أمس، تركيزه على دعم العراق وتعزيز الجهود المشتركة في الحرب ضد تنظيم «داعش» فوق الأراضي العراقية، في ظل استبعاد للحديث المباشر عن توسيع أي حملة مقبلة لتستهدف أراضي سورية، في محاولة واضحة تهدف إلى الحفاظ على أكبر حد من التأييد الدولي قبل أيام من افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث ستكون قضية «التحالف الدولي» على سلم أولويات الحاضرين.
وفي ظل امتناع المشاركين في الاجتماع عن إعطاء تفاصيل عن طرق صد قوات التنظيم المتطرف وعن طريقة التعاطي مع وجود قوات هذا التنظيم في سوريا أيضاً، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في ختام المؤتمر إن «الاجتماع يبعث على الأمل رغم خطورة الوضع»، مشيداً بمشاركة «30 دولة هي بين الأقوى في العالم ومتباينة جغرافياً وإيديولوجياً، لكنها كلها تقول قررنا أن نكافح داعش»، لافتاً في الوقت ذاته إلى الاتفاق على عقد مؤتمر في البحرين لبحث وسائل وطرق قطع الإمدادات والتمويل عن التنظيم.
وجاء الكلام الفرنسي في باريس، والبيان الختامي للمؤتمر أيضاً، في وقت كان فيه وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان يعلن في دولة الإمارات بدء عمليات الاستطلاع الفرنسية فوق الأراضي العراقية، الأمر الذي يؤكد دخول بلاده الفعلي ضمن عمليات «التحالف الدولي»، والذي يؤكد أيضاً أن أساس العمليات المقبلة والتعاون قد ثبت ركائزهما «مؤتمر جدة» الأخير وجولة جون كيري الشرق الأوسطية. وأقلعت مقاتلتان فرنسيتان من طراز «رافال»، قبل ظهر أمس، من «قاعدة الظفرة» التي تنشر فيها فرنسا جنوداً وطائرات حربية منذ عام 2009 والواقعة على بعد 30 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة الإماراتية أبوظبي.
المنطقة باتت
تعيش وسط تداعيات إنشاء «التحالف» بقيادة أميركية ـ سعودية

وعموماً، ما يشير إلى أن المنطقة باتت تعيش وسط تداعيات إنشاء «التحالف الدولي» بقيادة أميركية ـ سعودية، وفرنسية إلى حد ما، هو لقاء القمة الذي جرى في قطر، أمس، بين الأمير تميم بن حمد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي اختار الدوحة كوجهة لأول زيارة رئاسية خارجية له. واتُّفق خلال الزيارة على إنشاء «مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي» بين البلدين، فيما أعلن وزير الطاقة التركي أن «قطر وافقت على إرسال 1.2 مليار متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا خلال الشتاء».
وبالعودة إلى باريس، ذكر البيان الختامي لـ«مؤتمر باريس بشأن السلام والأمن في العراق» (النص على موقعنا على الإنترنت)، أن الشركاء الدوليين اتفقوا «على البقاء على استنفار في ما يخص دعمهم للسلطات العراقية ومحاربة تنظيم داعش، وسيحرصون على تطبيق الالتزامات التي اتخذت اليوم (أمس) ومتابعتها، ولا سيّما في إطار الأمم المتحدة، وبمناسبة الاجتماعات الرفيعة المستوى التي ستعقد بموازاة دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة» خلال أيام.
كذلك، وعد المشاركون بصراحة في البيان، بدعم بغداد «بكل الوسائل الضرورية»، وبينها العسكرية، في مواجهة التنظيم المتطرف «مع احترام القانون الدولي وأمن السكان المدنيين»، دون الكشف عن اي خطوات مقبلة. وكررت الدول المشاركة في المؤتمر، الذي دام ثلاث ساعات، وعقد في مقر وزارة الخارجية الفرنسية في باريس، القول إن «داعش تشكل تهديداً للعراق ولمجموع الأسرة الدولية».
وأكدت نتائج المؤتمر أن توسيع دائرة الاستهدافات من الأراضي العراقية إلى الاراضي السورية قد شكلت خلال الأيام الماضية نقطة محورية في النقاشات، إذ تباينت المواقف الجانبية المعلنة بهذا الخصوص. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن «الروس معنا ما دام المقصود محاربة الإرهاب وبقي الأمر محصوراً بالعراق»، فيما قال مصدر دبلوماسي فرنسي آخر: «إن أردنا أن يكون هذا المؤتمر مفيداً، ينبغي عدم خلط الإشكاليات. لبّ المشكلة في الوقت الحالي هو العراق».
ودعت موسكو، التي كانت غائبة حتى يوم أمس عن الحراك الأميركي ـ السعودي، عبر وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إلى بدء «مناقشة مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط بشكل شامل في مجلس الأمن الدولي»، مؤكدة دعمها للعراق. وقال لافروف، على هامش مؤتمر باريس، إنه يجب بحث مكافحة الإرهاب بشكل شامل، من دون استبعاد عوامل مهمة تؤثر في تفاقم المشكلة، بما في ذلك تمويل النشاط الإرهابي وتدفق الأسلحة. وأشار الوزير الروسي إلى ضرورة مناقشة قضية بيع المنظمات الإرهابية النفط من الحقول التي تسيطر عليها لتمويل نشاطها، لافتاً إلى أنه يجب على المجتمع الدولي أن يستخلص دروساً من الماضي ويتخلى عن استخدام أي معايير مزدوجة في مكافحة الإرهاب.
ولعل الإصرار السعودي على ضرورة الإشارة إلى سوريا قد بدا واضحاً في حديث وزير الخارجية سعود الفيصل، الذي رأى أن التهديد الذي يمثله تنظيم داعش قد تجاوز في جغرافيته العراق والشام، وبات يشكل خطراً يهدد الجميع ويستدعي محاربته والتصدي له بروح جماعية تقي الدول مخاطره ونتائجه. وأضاف: «حيث إن هذا التنظيم قد وجد في أرض سوريا بحكم طبيعة نظام (الرئيس بشار) الأسد أرضاً خصبة للتدريب وتلقي العتاد والتحرك بحرية دونما عرقلة أو ضوابط، فلا بد لأي استراتيجية لضرب داعش من أن تشمل أماكن وجوده على الأرض السورية». وشدد الفيصل على أهمية توفير كل أشكال الدعم الضروري لـ«المعارضة السورية المعتدلة».
وأضاف أن «حكومة بلاده ستستمر بمؤازرة العراق إلى أن يستعيد عافيته، ومحاربة الإرهاب مسألة لن تنتهي بمعركة واحدة أو خلال فترة قصيرة، بل كل الدلائل تشير إلى أن هذه المواجهة سيطول أمدها ولن تكون خاتمتها بالانتصار على داعش مع حتمية هذا الأمر». وتابع الفيصل قائلاً: «من هذا المنطلق فإننا نرى ضرورة أن يستمر هيكل التنظيم المزمعة إقامته لمحاربة (داعش) أن يستمر على الأقل عشر سنوات حتى نضمن زوال هذه الظاهرة البغيضة».
كذلك، أظهر غياب إيران مدى صعوبة العمل المشترك في الشرق الأوسط. وقال مسسؤولون فرنسيون إن دولاً عربية عرقلت حضور طهران. وقال دبلوماسي فرنسي «كنا نريد إجماعاً بين الدول في ما يتعلق بحضور إيران، ولكن في النهاية كان حضور دول عربية معينة أهم من حضور إيران».
من جهته، أعلن وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري، أن العراق «يأسف لغياب إيران»، مضيفاً في مؤتمر صحافي: «لقد شددنا على مشاركة إيران، إلا أن القرار ليس في يدنا. ونأسف لغياب إيران عن هذا المؤتمر». ولم يشأ الوزير العراقي الخوض في تفاصيل مناقشات المؤتمر، وقال: «لم نتطرق إلى تفاصيل هذا الصباح (أمس). كل الأطراف كان ردهم ايجابياً تماماً حيال الوضع الراهن والدعم الذي سيقدمونه إلى العراق». ورأى الجعفري أن استعادة الموصل «هدف رئيسي بالنسبة إلى العراق»، مضيفاً: «بفضل العمليات المسلحة التي سنقوم بها، أعتقد أن تحقيق هذا الأمر لن يكون صعباً. ليس متوقعاً أن نحقق ذلك فوراً، ولكن على المدى المتوسط أعتقد أننا سننجح في تحرير الموصل».
وكان الرئيس العراقي فؤاد معصوم قد أعرب عن أمله يوم أمس أن يتمخض المؤتمر عن «استجابة سريعة»، وقال أمام أعضاء الوفود إن «عقيدة الدولة الإسلامية هي إما أن تؤيدنا أو نقتلك. لقد ارتكبت مذابح وجرائم قتل جماعية وتطهيراً عرقياً».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)




«الأطلسي»: التهديد يتطلب «رداً عسكرياً»

رأى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، اندرس فوغ راسموسن امس، أن «ارهابيي» تنظيم «داعش»، «معادون للغرب بعنف»، مشيراً إلى أنه «ينبغي اعتماد رد عسكري لهزيمة هذه المنظمة».
وصرح راسموسن، في كلمة القاها في بروكسل، بأن «جميع الحلفاء مصممون ومتحدون ضد الارهاب».
وتابع قائلاً إن «هذه المجموعة (...) ترفض مجتمعاتنا الحرة. وهي معادية للغرب بشكل عنيف وحاقد (...) سيغتنمون جميع الفرص المتاحة لمهاجمة قيمنا وفرض رؤيتهم الرجعية على العالم».
كذلك، تحدث راسموسن، الذي تنتهي ولايته آخر الشهر الحالي، عن «عصر جديد من المشاكل». ورأى أن موسكو «داست جميع القواعد والالتزامات التي ضمنت السلام في أوروبا وغيرها منذ نهاية الحرب الباردة». وأضاف أن «الصورة واضحة. من مولدافيا الى جورجيا والآن في اوكرانيا، استخدمت روسيا الضغط الاقتصادي والاعمال العسكرية لزعزعة الاستقرار، وفبركة نزاعات والحد من استقلال جيرانها».
(أ ف ب)