عند الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر أمس (الثلاثاء)، انفصلت مجموعات إنتاج الكهرباء عن الشبكة العامّة كلياً. هذا "الحدث"، الذي يمكن أن يثير القلاقل في بلدان أخرى، حدث للمرّة الثانية في لبنان في أقل من 48 ساعة، ولكنه لم يثر أي رد فعل ملحوظ، لا على مستوى المسؤولين الحكوميين ولا على مستوى المجتمع المدني. انقطع التيار الكهربائي عن كل لبنان دفعة واحدة، ولم يشعر به إلا هؤلاء الفقراء المحرومين من "نعمة" مولدات "الكهرباء البديلة"، وهم ليسوا في حسابات الحكومة والمجتمع المدني أصلاًً. الجميع بات متكيّفاً الى حدّ عدم الشعور بأن الكهرباء مقطوعة. مؤسسة كهرباء لبنان أعلنت أن "العمل جارٍ حالياً (أمس) لمعرفة أسباب هذا الانفصال ولإعادة الأمور إلى طبيعتها". إلا أن المؤسسة لم تكتف بذلك، بل سارعت الى استغلال الفرصة للتصويب على ما تعتبره أولويتها، أي "احتلال" مبناها الرئيسي (وبعض الدوائر في المناطق) من قبل المياومين السابقين لديها، الذين يريدون زيادة أعداد المرشحين منهم للدخول الى ملاكها.
ولفتت المؤسسة إلى أن "إدارة الشبكة تتم حاليا بطريقة شبه بدائية، من محطة الجمهور الرئيسية، بدلا من إدارتها من مركز التحكم الوطني الموجود في المبنى المركزي". وقالت ان "الوضع الشاذ القائم في المبنى منذ أكثر من شهر، يحدّ من قدرة الفرق الفنية على تحديد الأسباب التي أدت الى انفصال المجموعات، على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها". وكررت المؤسسة تحذيرها من "أن استمرار هذا الوضع الشاذ ينذر بتكرار حوادث الانقطاع الشامل وغيرها من الحوادث"، ورفعت مستوى التحذير باعلانها "احتمال" الوصول (ربما) الى "فقدان السيطرة كليا على الشبكة الكهربائية، بما يعنيه ذلك من تعتيم يطال جميع المناطق اللبنانية".
وكان مياومو مؤسسة الكهرباء السابقين قد بدأوا منذ 37 يوما تحرّكا يهدف الى اسقاط قرار ادارة المؤسسة بقبول 879 عاملا منهم لسد بعض حاجاتها في الملاك. يبلغ عدد هؤلاء المياومين نحو 1500 عامل وعاملة، وهم يراهنون على ضمّ معظمهم الى الملاك، تنفيذا للوعود السياسية السابقة، وليس نصفهم فقط. تحرّك المياومين اتخذ شكل "احتلال" مداخل مبنى المؤسسة واقفال ابوابها ومنع الادارة والموظفين من الدخول اليه، وبالتالي نجحوا في رفع مستوى الضغط من اجل اسقاط القرار المذكور.
حتى الساعة، لم تتحرّك اي وساطة جدّية، ما عدا وساطة "غير واضحة المعالم" لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، اذ طلب المشنوق من ادارة المؤسسة ان تعلن التزامها القانون وقرارات مجلس الخدمة المدنية، وفي المقابل تعلن لجنة المتابعة للمياومين احتكامها للقانون وقبولها بما يقرره مجلس الخدمة المدنية وفك اعتصامها على مداخل المؤسسة، على ان تتولى قوى الامن الداخلي مسؤولية هذه المداخل وتقيم لعناصرها نقطة حراسة داخل حرم المبنى. الا ان لجنة المياومين لم تقبل البيان الصادر في هذا الشأن عن "المكتب الاعلامي" في المؤسسة، وكذلك لم تقبل الصيغة التي جاءت في البيان، اذ ورد فيه ان "مؤسسة كهرباء لبنان تشدد مرة أخرى على التزامها سقف القانون وصلاحيات مجلس الخدمة المدنية، وذلك بما يتوافق مع حاجات المؤسسة وصلاحياتها التي أعطيت لها بموجب القوانين المرعية الإجراء وبما يؤمن ديمومة القطاع الذي تديره".
في هذا الوقت، تُترك مؤسسة الكهرباء لتنهار كليا، ويُترك العمال وحدهم في عنق الزجاجة، فهم لا يريدون تدمير المؤسسة وإنما الدخول اليها للعمل والأمان الوظيفي والضمان الصحي. ما يجري يدفع الى التساؤل عن الأهداف الكامنة وراء ترك الأمور تتفاقم اكثر فأكثر، على كل المستويات، ولا سيما الادارية والمالية. مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان اطلع في الأسبوع الماضي على تقرير مديرية الشؤون المالية. وحذر من أن الوضع المالي للمؤسسة بات حرجاً جداً، ما يهدد باستحالة استمرارية العمل. وبحسب التقرير، فإن قيمة المتوجبات على المؤسسة تبلغ لغاية آخر أيلول الجاري 143 ملياراً و200 مليون ليرة، فيما أرصدة حسابات المؤسسة المتوفرة في المصارف حتى تاريخه لا تتعدى 72 مليار ليرة. اي ان المبالغ المتوجب تأمينها من قبل المؤسسة (لتسديد الفرق بين المبالغ المتوفرة والمبالغ المستحقة) تبلغ 71 مليار و200 مليون ليرة. مديرية الشؤون المالية حذرت في تقريرها من أنها تواجه صعوبات في تنفيذ أعمالها بسبب وجود معاملاتها في المبنى المركزي، ويشمل ذلك: استحالة أو صعوبة عقد أي نفقة، في ظل عدم تمكن المعنيين من الاطلاع على أرصدة اعتمادات موازنة العام 2014 الموجودة في المبنى المركزي، وعدم إمكانية صرف أي نفقة من أية طلبية، اذ إن بطاقات الاعتمادات وأرصدة الطلبيات والبرامج الالكترونية المتعلقة بها موجودة في المبنى ايضا. بالاضافة الى عدم إمكانية تصفية عدد كبير من معاملات المتعهدين والموردين، وعدم القدرة على إعادة النظر في اعتمادات موازنة العام 2014.
واوضح التقرير ان اقفال المبنى المركزي للمؤسسة ادّى الى تقلص إيرادات المؤسسة بسبب عدم امكانية إصدار فواتير استهلاك الطاقة، وبالتالي عدم تسليم شركات مقدمي الخدمات الفواتير لجبايتها، وانحصار الايرادات بقيمة بعض معاملات الزبائن في دوائر المؤسسة غير المقفلة. بالاضافة الى عدم إمكانية جباية المتأخرات وأوامر التحصيل. وعدم امكانية اصدار فواتير خارج الاصدار.
وبالاستناد الى التقرير نفسه، المؤسسة غير قادرة على الالتزام بالمتوجبات المستحقة عليها لصالح كافة المتعهدين والموردين، بما فيها (على سبيل المثال) شراء محروقات، شراء طاقة، ضريبة على القيمة المضافة، رواتب وأجور المستخدمين وكافة ملحقات الراتب. وهي غير قادرة على تحرير كفالات المتعهدين المستحقة لدى المصارف، وإعداد القيود المحاسبية العائدة إلى العمليات التي جرى تنظيمها اعتباراً من تاريخ إقفال أبواب المؤسسة، أي من 9/8/2014. الا ان التقرير تحدّث عن طرق اعتمدتها المديرية للالتفاف على اقفال المبنى المركزي، اذ ورد فيه حرفيا انه «تم ايجاد طريقة لقبض جميع الأموال المحصلة من قبل شركات مقدمي الخدمات في ظل اقفال الصندوق المركزي ومعظم صناديق الدوائر، وتم قبض القسم الأكبر من هذه الايرادات عن طريق تسلم شيكات بقيمة الفواتير المحصلة من قبلها وتم تجييرها من قبلنا واعادتها الى الشركات لإيداعها في حسابات المؤسسة لدى المصارف الخاصة، واستلام الايصالات لاحقاً ليتم تسجيل قيودها محاسبياً في ما بعد، وهذا ما أمّن ايرادات للمؤسسة في هذه الفترة مكّنها من الاستمرار بدفع بعض المستحقات عليها كالضريبة على القيمة المضافة العائدة للمحروقات، حيث سددت لتاريخه حوالى /15/ مليار ليرة ورواتب وأجور شهر أيلول المسبق وفق أساس الراتب، مستحقات عمال غب الطلب البالغة حوالى 600 مليون ليرة، وتسديد جزء من دفعة مستحقة بحوالى 9 مليارات ليرة لشركة KVA، وتسديد بعض فواتير اليد العاملة لمعامل الانتاج».
(الأخبار)




المستحقات

تفيد مديرية الشؤون المالية بأن المبالغ المستحقة على مؤسسة كهرباء لبنان لغاية نهاية أيلول 2014 (للمستخدمين، والمياومين وعمال غب الطلب، والمتعهدين والموردين) هي كالآتي:
- 4.7 مليارات ليرة للمنح المدرسية
- مليارا ليرة للتعويضات غير المدفوعة مع راتب شهر ايلول
- 5.5 مليارات ليرة للرواتب والأجور مع كافة التعويضات لشهر تشرين الأول
- 4 مليارات ليرة لشهر الإنتاج
- 5 مليارات ليرة لتسويات تعويض نهاية الخدمة
- 1.6 مليار ليرة لاشتراكات الضمان الصحي والاجتماعي عن شهري تموز وآب
- 1.3 مليار ليرة لأجور عمال غب الطلب
- 2.6 مليار ليرة متوجبات إلى شركة Next Care المولجة بإدارة الملف الصحي في المختبرات والمستشفيات
- 26 مليار ليرة متوجبات إلى شركة Karpowership، التي تؤمن الطاقة الكهربائية لمؤسسة كهرباء لبنان بواسطة الباخرتين الموجودتين في الذوق والجية
- 2.5 مليار ليرة زيادة اعتماد YTL، الشركة المشغلة لمعملي دير عمار والزهراني
- 13 مليار ليرة TVA للمحروقات لآخر أيلول 2014
- 15 مليار ليرة مساهمة المؤسسة بفتح الاعتمادات المستندية للمحروقات، عن آب وأيلول، لعدم تجاوز السقف السنوي المحدد لمساهمة الخزينة والبالغة 3056 مليار ليرة
- 30 مليار ليرة دفعات إلى شركات مقدمي الخدمات الثلاث
- 15 مليار ليرة لشراء طاقة من سوريا والليطاني والبارد ونهر ابراهيم
- مليار ليرة تراكم مدفوعات النثريات
- 5 مليارات ليرة لبقية المتعهدين والموردين
- 3 مليارات ليرة اعتمادات مستندية يجب تأمينها لدى مصرف لبنان
- 6 مليارات ليرة لتسديد رصيد دفعة مستحقة إلى شركة KVA