45 مفتشاً قدموا طلبات نقل من إدارة التفتيش المركزي من أصل 100 مفتش ضمن ملاكها العام. السبب هو أن الترفيع والترقيات تأخرا 13 سنة من دون أن تُعرف الدوافع والأسباب. بعض المفتشين يعزو الأمر إلى عملية تفريغ ممنهجة لإدارة التفتيش المركزي من أجل تعطيلها نهائياً، وبعضهم الآخر يرى أن رغبات الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، أصبحت أوامر لدى رؤساء الحكومات المتعاقبين، وآخرهم رئيس الحكومة تمام سلام.
على مدى الأشهر الماضية، تبيّن أن نحو نصف مفتشي إدارة التفتيش المركزي عازمون على توقيع أوراق طلاقهم مع هذه المؤسسة التي «لا يُسمح لها القيام بأي عمل جدّي»، على ما يقول أحدهم. يروي هؤلاء الكثير مما يحصل في أروقة الإدارة من أعلى هرمها إلى أدناه. فالإنتاجية المتدنية في هذه الإدارة تُعزى إلى وجود 102 مفتش فقط من أصل ملاك يتسع لنحو 208 مفتشين، أي إن الشغور يطاول أكثر من نصف الملاك المحدّد. أما السبب الثاني وراء قلّة الإنتاجية، فيعزى إلى خضوع الهيئة العامة للتفتيش التي تضم المفتشين العامين، للرغبات السياسية. فقد أصبح من النادر أن تصدر الهيئة قراراً يُعد جدياً أو ذا قيمة في إطار العمل الرقابي على مؤسسات الدولة. فإلى جانب عشرات الملفات التي عمل عليها المفتشون، لم تصدر الهيئة الكثير من القرارات، بل سحبت ملفات عديدة من التداول وغيّبت التقارير المعدّة بشأنها لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بمحاباة هذه الجهة أو ذاك المتعهد. فعلى سبيل المثال، إن ملف مركز الثلوج في تنورين الذي لزّمته وزارة الاشغال العامة، نام منذ فترة طويلة، وملف الكسارات العائدة إلى الأخوين فتّوش نام في الأدراج أيضاً بعد درس امتد على أسابيع عديدة، كذلك نام ملف زوجة الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، الموظفة في قطاع التعليم الرسمي وتقبض راتباً من الدولة (وقتها كان سليمان قائداً للجيش)، ولكنها كانت ترفض أن تداوم، فلم يصدر التفتيش أي قرار بحقها، واشتغلت الاتصالات السياسية من أجل إيجاد حلّ للمسألة بعيداً عن قرارات التفتيش، وانتهى الأمر بأن أنهت المعلّمة خدماتها من دون أن يصدر أي قرار من التفتيش بحقها.
أزمة المفتشين أنهم يطلبون حقوقهم من السلطة السياسية


ثمة الكثير من الملفات، وخصوصاً الملفات الحساسة منها، لكنها جميعها غرقت في أدراج الهيئة التي كانت قراراتها تصدر بالإجماع، ثم أصبحت تصدر اليوم، إن صدرت، بالأكثرية بسبب وجود معترضين على تنفيذ القانون وبسبب وجود مفتشين عامين محابين لمرجعياتهم السياسية، أو لديهم رغبات سياسية... ومن آخر قرارات الهيئة لفت نظر بحق المحافظ أنطوان سليمان في قضية أحالها وزير الطاقة والمياه السابق جبران باسيل عن التعسف في منح تراخيص محطات الوقود والمخالفات. تقرير التفتيش حمّل المحافظ والوزارة مسؤولية المخالفات، فلم يصدر سوى قرار «بسيط» لا يلفت النظر!
وبالتالي لم يعد هناك أي شكّ في أن الأزمة في التفتيش المركزي كبيرة، فإلى جانب طغيان السياسة على الملفات، أصبح المفتشون يبحثون عن عمل «مفيد» أكثر فلجأوا إلى طلبات الانتقال إلى إدارات ثانية طمعاً بما يحصل عليه باقي موظفو الإدارات العامة من ترفيع وترقيات. ويؤكد هؤلاء أن هناك ترقيات حصلت في أكثر من إدارة رسمية مثل ديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية، لكن ملف ترفيع 69 مفتشاً نائم في الأمانة العامة لمجلس الوزراء: «لماذا بقيت إدارة التفتيش المركزي من بين إدارات الدولة من دون صدور مراسيم الترفيعات فيها إلى الفئة الثانية؟».
طبعاً، المشكلة لا تقع في ملفات الترفيع فقط، فالشغور الحاد أصاب كل المفتشيات التي لا تعمل إلا بأقل من نصف طاقتها. على سبيل المثال، هناك 36 مفتشاً عاماً تربوياً من أصل 100 مفتش مفترض في الملاك. وهذا العدد محدد وفق عدد المدارس المنتشرة في لبنان في عام 2008. وهذا الأمر ينسحب على باقي مفتشيات المال والإدارة وسواها. وبالتالي لم يعد الأمر يتعلق بتقليص صلاحيات التفتيش إلى حدودها القصوى، بل أصبح الأمر يوازي إلغاء صلاحيات التفتيش. وفي رأي بعض المفتشين، إن بعض ما يحصل، عملياً، هو إلغاء أي وجود للتفتيش بدلاً من مشروع إلغاء الصلاحيات الذي أطلق قبل عام 2002 حين كتب رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، نيابة عن الطقم السياسي في لبنان، رسالة إلى رئيس التفتيش السابق فؤاد هيدموس بعنوان «عدم صلاحية التفتيش المركزي في مساءلة الوزراء ومراقبة أعمالهم».
وسط كل هذا الوضع، اندفع المفتشون في اتجاه تصعيد تحركاتهم. يوم الخميس المقبل ينفذ المفتشون اعتصاماً أمام مجلس الوزراء قبيل انعقاد جلسته. أزمة المفتشين أنهم يطلبون حقوقهم من السلطة السياسية نفسها التي تحاول إلغاءهم.