اغتيال قادة «حركة أحرار الشام» يمكن إدراجه في سياق سباق إقليمي على إعادة «ترتيب البيت العسكري المعارض». العملية التي يمكن وصفها بالنوعية جاءت بقرار استخباري خارجي، تتقاطع جميع المعطيات عند هذه النقطة. ورغم أن مصادر «جهادية» عدة تتحدث عن دور أردني أساسي، غير أن المعلومات المتوافرة لا تكفي للجزم بهوية الجهاز الإقليمي المسؤول عن التصفية. الثابت أنّ العملية نُفّذت بأيادٍ من داخل «الحركة»، في ما يشبه انقلاباً مُحكم التدبير.
وتوحي معلومات يتداولها بعض المسؤولين في «الأحرار» بأن القيادة السابقة للحركة دفعت ثمنَ صراع استخباري بين عدد من الدول الراعية للمجموعات المسلحة داخل سوريا. مصدر من داخل «الحركة» يقدم لـ«الأخبار» روايةً يصفها بـ«الدقيقة» لكواليس الحركة وعلاقاتها ببعض الجهات الإقليمية عشيّة الحادثة. ورغم أن الرواية المذكورة تخالفُ المسار الظاهري لأحداث المنطقة في المرحلة الراهنة، غير أنها تسترعي الانتباه، ولا سيما أن مصدرها واحد من «قدماء الحركة»، وأن الرواية – وفقاً للمصدر – يجري تداولها على نطاق واسع إلى حد ما داخل «الحركة». يوضح المصدر أنّ «الشيخ أبو عبد الله الحموي (حسان عبود) كان قد توجه إلى تركيا قبل أسبوع من الاغتيال، للمشاركة في سلسلة اجتماعات ترمي إلى مناقشة خيارات المرحلة المقبلة».
الأتراك لم يكونوا راضين
عن قرار الحموي الاندماج مع مجموعات أخرى
ووفقاً للمصدر فإن «الشيخ الحموي كان قد عقد العزم على إنجاز اتفاق يُتيح للحركة الاندماج مع عدد من المجموعات الفاعلة في الشمال السوري، وعلى رأسها جيش المجاهدين، وحركة نور الدين الزنكي». المجموعتان الأخيرتان تحظيان بدعم قطري كبير، ورغم أن «أحرار الشام» واحدة من المجموعات التي دعمها القطريون، غير أنها كانت تحتفظ بخطوط مفتوحة مع مختلف الجهات الداعمة، فيما يمكن اعتبار «المجاهدين» و«الزنكي» محسوبتين على القطريين على نحو كامل. وكان من شأن اندماج «أحرار الشام» معهما أن يُمهد لانتقالها إلى حضن الدوحة دون سواها. يؤكد المصدر الذي كان يُعد من قادة الصف الثاني (وما زال) أن «الأتراك لم يكونوا راضين عن قرار الشيخ، كما كان لبعض الإخوة داخل الحركة رأي مُماثل لرأي الأتراك». المصدر يوضح أنّ «الشيخ أبو عبد الله قرّر طرح القضية للشورى، بغية التوصل إلى قرار نهائي عملاً بقوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم»». ووفقاً للمعلومات التي يوردها المصدر فقد كان من المفترض أن يُعقد الاجتماع قبل سفر عبّود إلى تركيا، ثم جرى تأجيله إلى ما بعد عودته. ويضيف: «أثناء وجود الشيخ في تركيا وجّه الإخوة القياديين بالإعداد للاجتماع يوم الاثنين (في اليوم السابق لعملية الاغتيال)، وكان من المقرر أن يعود الشيخ يومها، لكن يبدو أن طارئاً دفعه إلى تأجيل عودته، فأُجّل الاجتماع إلى اليوم التالي». يؤكد المصدر أن لا معلومات لديه عن طبيعة الاجتماعات التي عقدها عبود في تركيا، أو الجهات التي التقاها، إذ «لم يكن من عادة الشيخ أن يُخبر بتحركاته سوى عدد محدود من الإخوة القياديين». يرفض المصدر التعليق على التسريبات التي تتحدث عن ضلوع كوادر من داخل الحركة في عملية الاغتيال الجماعي، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى «نقمة لدى بعض الكوادر بسبب التقصير في عمل اللجنة الأمنية التي كان المفترض أن تُنجز عمليات التحقيق والتقصي حول العملية». ويؤكد أن «هذا التقصير يمكن فهمه في حال وجود أسباب موضوعية يجري الإفصاح عنها، لكن استمرار المماطلة من دون وجود أسباب واضحة قد يدفع بعض الإخوة إلى اتخاذ قرار بالانسحاب من الحركة، وأنا من بينهم».
ومن شأن المعلومات التي يوردها المصدر – إذا صحّت – أن تقدم رواية مخالفة لتلك التي جرى تداولها خلال اليومين الماضيين عبر بعض المنابر المعارضة، و«الجهادية». ففيما تحمل رواية المصدر اتهاماً غير معلن للاستخبارات التركية بالوقوف وراء عملية التصفية، تتهم الرواية المتداولة الاستخبارات الأردنية بالضلوع في العملية، «تنفيذاً لأجندة أميركية». وتربطها بـ«رفض الحركة الانضمام إلى التحالف ضدّ داعش»، الأمر الذي يتناقض مع المعلومات المؤكدة عن نية القيادة السابقة التحالف مع «المجاهدين»، و«نور الدين زنكي»، المنخرطتين أساساً في حرب ضد «الدولة الإسلامية». وفي السياق ذاته، يبدو لافتاً ان الرواية التي تتحدث عن مسؤولية الدولة السورية قد خفّ تداولها منذ اليوم التالي لوقوع العملية، رغم أنها تعد أحد أبرز المستفيدين من التصفية. الأمر الذي ينطبق أيضاً – وإن بنسبة أقل – على الرواية التي تُلصق العملية بتنظيم «الدولة الإسلامية».