القاهرة | تحرص جماعة «الإخوان المسلمون» على ألا تبعدها الضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها عن المشهد الإقليمي والدولي، لذلك تحاول اتخاذ مواقف من الأحداث المحيطة بمصر، وإن كانت تعليقاتها قليلة في هذا الإطار. ومنذ اللحظة الأولى للحدث الكبير والأخير في العراق، فإن الجماعة أعلنت موقفها الذي ظهرت فيه لمسة تأييد لـ«ثورة سنية» هناك، لكنها اليوم عادت بعد إنشاء تحالف دولي لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» لتعلن أن موقفها هو رفض الاستهداف الدولي للتنظيم على أنه محاولة جديدة لتقسيم المنطقة، وفق بيانها.
هذا الموقف عبرت عنه الجماعة التي لا يزال قادتها ما بين المنفى «الاختياري» والسجن «الإجباري»، مع أنها كانت قد وجهت انتقادا إلى «داعش» ووصفتها بأنها مجموعة «جهلاء وفشلة» في بيان سابق، لكن المفارقة أن التهمة التي تطارد «التنظيم المتشدد»، الإرهاب، هي نفسها التي تلاحق بها الدولة المصرية الإخوان.
ومن المعلوم أن «الإخوان» تعتمد الحلم نفسه الذي تقول «داعش» إنها تعمل عليه، وهو إقامة الخلافة، وهذا موجود في أدبيات الجماعة التي أسست في مصر، ولم تخف هذه الرغبة بعد وصول محمد مرسي إلى الحكم. وقد تكون هناك نظرة من القاعدة الشبابية للإخوان ترى أن القيادة أخفقت في قيادة المرحلة ووصلت بهم إلى ما هو عليه الوضع الآن، لكن خيارات «داعش» في العمل ليست مثالا لديهم.
يبقى الموقف
نظرياً وفي إطار
تأكيد الحضور في المشهد الدولي


في هذا السياق، تقول مصادر شبابية من داخل الجماعة إن أحدا لن يسافر إلى سوريا والعراق من أجل المحاربة مع «داعش» في مواجهة التحالف الدولي، فالجهاد الداخلي، في مواجهة «الانقلاب» كا يرون، هو الذي يتصدر أولويات الجماعة، إضافة إلى أن حالة التشتت والملاحقة القانونية التي يتعرضون لها تحد من قدرتهم على الحركة والسفر، وبذلك يبقى هذا الموقف من التحالف نظريا وغير عملي.
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، طارق فتح الله، إن «دعم الإخوان لداعش أمر طبيعي ومتعلق بوجود مساحات توافق بين أفكار الجماعة والتنظيم رغم اختلاف أسلوب كل منهما»، مشيراً إلى أن الإخوان يرون في ما يحققه «داعش» انتصارات لم ينجحوا في صنعها. وأضاف لـ«الأخبار»: «نفور عدة دول من التواصل مع أعضاء الجماعة خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة جعل قادتها يشعرون بفقدان قناة مهمة في التواصل للضغط على النظام المصري وتسوية أوضاعهم، لذلك هم يسعون إلى استعادة تلك القنوات عبر عدة طرق من بينها إعلان المعارضة للتحالف الدولي».
مع ذلك يقدر مراقبون أن موقف الجماعة لن يكون له تأثير على أرض الواقع، لكنه ناجم عن ضرورة تسجيل المواقف السياسية، وخاصة أن الجماعة الآن تتعرض لضغوط داخلية كبيرة بعد انشقاق حزب الوطن عما يسمى «تحالف دعم الشرعية» الذي تأسس بعد إطاحة مرسي، قرار الانسحاب يأتي مع اقتراب تفكك التحالف بالكامل بسبب تراجع التحرك الشعبي الداعم للجماعة، إضافة إلى قرب إجراء الانتخابات البرلمانية التي يرغب عدد من أحزاب التحالف في خوضها.
كذلك يواجه أعضاء الجماعة مأزقا جديدا مرتبطا بالقلق من «بداية تخلي النظام القطري عنهم» إرضاء لدول مجلس التعاون الخليجي التي أبدت غضبها على الدوحة لاستمرار دعمها الجماعة في مواجهة النظام المصري، لكن الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، محمود جاد الله، يرى أن الاستبعاد القطري لسبعة من المحسوبين على الجماعة أمر يجعلهم يخرجون من دائرة الضوء بدرجة كبيرة، مشيراً إلى أن ذلك سيجعل تأثير أعضاء الجماعة في الشارع أقل.
ويتوقع جاد الله، في حديث مع «الأخبار»، أن يكون المسار الأول للإخوان مع الدولة هو المهادنة، «تعقبها مبادرات للتصالح مع القيادات الهاربة أو الموجودة في السجون شريطة استبعاد من تورطوا في أعمال العنف مباشرة»، أما المسار الثاني، فهو بداية مرحلة جديدة من التصعيد، وخاصة أن بعض القادة موزعون في عدة دول مثل جنوب أفريقيا وماليزيا، «وقد يواصلون انتقاد النظام المصري ووصفه بالانقلابي، لكنه لن يستمر طويلا، وخاصة مع فقدان التنظيم مصادر تمويل كثيرة».
في هذا الإطار، أفادت قناة «الجزيرة» التركية بأن مسؤول العلاقات الخارجية في جماعة «الإخوان»، عمرو دراج أصبح في تركيا، كما أن القيادي جمال عبد الستار يخطط للانتقال إلى إسطنبول لاحقا.