لا تقارن أزمة الانتخابات النيابية والفراغ في رئاسة الجمهورية، مع ثلّة الاهتمامات الإقليمية التي تشغل الأطراف الفاعلة في قوى 8 آذار، ولا سيّما حزب الله. ومع أن الحزب واكب ترشّح نوّاب كتلتي «التنمية والتحرير» و«التغيير والإصلاح»، وقدّم ترشيحات نوّابه إلى وزارة الداخلية، إلّا أن ترتيب «الملفّ اللبناني»، بالنسبة إليه، لا يقع على رأس سلّم الأولويات. ويمكن وصف أدائه تجاه استحقاق الانتخابات النيابية تحديداً، بـ «الواقعي»، على قاعدة «إن حصلت خير، وإن ما حصلت خير».
في الموقف، قوى 8 آذار مع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها حتى أقصى الحدود. إصرار الرئيس نبيه برّي أكثر من واضح. وفضلاً عن تأكيد بري أكثر من مرّة أن «التمديد لا يتمّ لبرلمان ميت»، قال رئيس المجلس أمام زواره قبل أيام إن «اللبنانيين بعد أن فقدوا إمكانية انتخاب رئيس الجمهورية لبنانياً، طغت حالة الجمود السياسي، وهذه الحالة لا يمكن كسرها إلّا عبر انقلاب عسكري أو انتخابات. الانقلاب العسكري غير وارد في بلد كلبنان، لذلك لا بدّ من الانتخابات للخروج من هذا النفق المظلم».
على ضفّة حزب الله، يردّد النواب والمعنيون موقفاً مشابهاً: «نحن مع إجراء الانتخابات في موعدها، المجلس لا يشرّع، كيف نمدّد له وعلى أي أساس؟». وبمعزلٍ عن النفي والتأكيد للسعي إلى حصول صفقة حول التمديد في مقابل عودة المجلس النيابي إلى التشريع، تقول مصادر مقرّبة من حزب الله إن «الحزب يقف إلى جانب برّي بضرورة عودة المجلس إلى التشريع قبل أي بحثٍ آخر، لأن أي جلسة لمجلس النواب ستكون استمراراً للجلسة الأخيرة التي لا تزال مفتوحة وعلى جدول أعمالها مشروعا قانوني سلسلة الرتب والرواتب والإنفاق، وهذه المسألة لا يمكن المرور فوقها. سلسلة الرتب والرواتب أمر أساسي في البلد».
في المنطق لا إمكانية لإجراء الانتخابات لأن إشكالاً أمنياً قد يهدّد العملية برمتها


في حسابات الربح والخسارة، لا ينكر برّي وفريقه أو مصادر حزب الله «اننا كفريق لدينا مصلحة بالانتخابات». يقول هؤلاء إن « التطورات الأخيرة في لبنان والمنطقة وصوابية خيارات فريق 8 آذار في الأزمة السورية، جعلت هذا الجمهور أكثر التصاقاً بقواه السياسية». وتشير مصادر الحزب إلى أن « التيار الوطني الحرّ لديه معطيات عن تقدّم كبير يحرزه على خصومه من المسيحيين، ولا سيّما أن التفاهم مع الحزب يُنظر إليه بتقديرٍ عالٍ الآن». ليس هذا فحسب، تقول المصادر إن «أغلبية قوى 8 آذار وضعها الانتخابي جيد جداً، بدءاً بالتيار الوطني الحر وبعض حلفائنا السنّة، وصولاً إلى النائب طلال أرسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي». وفي مقابل «شدّ العصب» عند 8 آذار، تشير المصادر إلى أن «بيئة تيار المستقبل مشتتة، وإعادة ترتيبها تحتاج وقتاً طويلاً، في ظلّ الضعف التنظيمي عند التيار، وتغلغل قوى أخرى في البيئة المؤيدّة لـ(الرئيس سعد) الحريري، على رأسها التيارات المتشددة». وعلى الرغم من معطيات تقدّم 8 آذار انتخابياً، لا يرى الحزب أن «الانتخابات يمكن أن تغيّر جذرياً في موازين القوى الحالية، لكنها ستفعل أمرين: أولاً، تعطي نتيجة أكبر لعون من المرات السابقة، ما يضعف خصومه المسيحيين ويثبّته كمرجعية أولى، وتكشف من جهة ثانية التخبّط في بنية تيار المستقبل ونوّابه، وربما كان التغيير الطفيف في موازين القوى الحالية على حساب المستقبل والقوات اللبنانية».
كلّ هذا في السياسة. أما في المنطق، فـ«لا إمكانية لإجراء الانتخابات، إشكال أمني كبير يهدّد العملية الانتخابية برمتها، خصوصاً أنها في يوم واحد». تقتنع المصادر بأن «الوضع الأمني في البلد خطير، ولبنان ليس كالدول الأخرى، قد تتدحرج الإشكالات من منطقة إلى منطقة بسرعة».
الانتخابات إذاً ليست همّاً ضاغطاً عند حزب الله، وإن كانت عودة التشريع في المجلس همّاً عند برّي. يبقى أن الهاجس الحقيقي في نظر المصادر المقرّبة من حزب الله، لدى «الفريق الآخر». في رأي المصادر، «يخشى تيار المستقبل أن لا تتم الانتخابات النيابية، وأن لا يمرّ التمديد، وعندها قد يذهب البلد إلى مؤتمر تأسيسي. نحن لا نتبنى فكرة المؤتمر، ولكن إذا ساد الفراغ، فقد يتزامن مع تحوّلات المنطقة وتوازناتها الجديدة».