«أنا الشاعر الوعر. والذعر ملء دمي. شرّدتني البلاد الفسيحة. يدهمني الحزن في الحلم. ثم يطاردني في الطريق ولم يبق لي غير ظلي أفيء به من حنيني وأفرشه كي أنام». هكذا ختم الشاعر والصحافي السوري فواز خيّو الرسالة التي وجهها إلى المعارضة المسلحة في سوريا، ونشرتها مجموعة من المواقع الإلكترونية. الرسالة كناية عن خطاب يوجهه إلى «جبهة النصرة» و«كتائب أجناد الشام» اللتين اختطفتا زوجته هيلانة نصر وابنه سرجون، بعدما تمكّن، هو وابنته نور ذات الثماني سنوات من الهروب على غفلة من القصف العنيف.
مشيا بين البراري حوالي ثمانية كيلومترات محفوفة بخطر الموت المحتم، مخلفين وراءهما المئات من المحاصرين في مدينة «عدرا العمالية» التي غزتها « جبهة النصرة» مطلع هذا العام بشكل مفاجئ، فاختطفت مدنيين واحتجزتهم كرهائن. ثم ارتكبت فظائع بسكانها العزّل، بتهمة أنهم موالون للنظام أو ينتمون لأقليات «كافرة» بحسب اعتقاد هذه الجهة الظلامية. الرجل الذي اشتهر في سوريا من خلال زاوية «أبجد هوّز» في صحيفة «الثورة» الرسمية برز محلياً كصحافي حازت التقاطاته الساخرة ومقالاته اللاذعة إعجاب القرّاء، وأثارت في الوقت عينه سخط المسؤولين الفاسدين في سوريا على كثرتهم! لكن مع اعتصام جريدة «الثورة» بعقلية متحجرة غير قابلة للتطوير، غادرها خيّو كما حصل مع ألمع كتاب زواياها الساخرة مثل يعرب العيسى وسلمان عز الدين. وقد ساهمت الأزمة السورية في انزواء صاحب مجموعة «سفر في الجنون» (1982) بعيداً عن الإعلام، ليعود أخيراً بمقاله الطويل الذي كتبه على شكل رسالة موغلة في الحزن افتتحها بالقول: «هي أكثر من صرخة، أكثر من ضربة رأس في الجدار(..) أنا لا أعرف عني شيئاً من 1/1/2014». يشرح حاله ويناشد مسلحي المعارضة إن كان قد بقي بينهم سوري واحد، بأن ينتبهوا لأن تهمة «الدرزي» الذي اعتقلت بذريعتها زوجته وابنه هي تهمة باطلة، طالما أن هذه الطائفة تفاخر بسوريتها قبل أي شيء آخر، مذكراً هؤلاء بأن شرارة الثورة السورية الكبرى اندلعت من مضافة المناضل الراحل سلطان باشا الأطرش عند اعتقال الاحتلال الفرنسي لأدهم خنجر وهو في زيارته. كذلك حكى عن نشاط زوجته الخيري وهي الموظفة البسيطة في مركز الهاتف التي كانت تؤخر قطع الخطوط مفضلة إبلاغ المشتركين بشكل شخصي، ثم جاهر بتطرف ابنه في محبة الناس بطريقة كان يتفوق فيها على أهله، وعن تعاطي عائلته السمح مع من سبقهم في التهجير من مدينة الضمير المجاورة. لم يتوان خيوّ عن تذكيرهم بأنه لو أراد استثمار زاويته الناقدة في الإعلام الرسمي لأصبح من أصحاب الأموال وحاول إنعاش ذاكرتهم بأنه قدم مرغماً قرباناً لغزوتهم «المجيدة» كل ما يملك أي «نصف عائلته وبيته وسيارته التي دفع ثمنها مرتين نتيجة فائض السعر عند الدفع عن طريق الأقساط». كذلك أعلن أنّه اعتقل على يد النظام قبل أن تخطف زوجته وابنه بتهمة «تقرير كاذب يتهمني بالتواصل مع فيصل القاسم والمعارضة في الخارج، وحين اكتشفوا أنني لا أتواصل حتى مع نفسي، وأن هاتفي ملغى منذ عام، أطلقوا سراحي».
لا يختلف حال فواز خيّو عن آلاف السوريين الذين باتوا يشعرون كأنهم كومبارس بائس في فيلم رديء النص والإخراج وهم ضحيته الوحيدة إن ذهبوا يميناً طالتهم يد النظام المستبد، وإن عادوا شمالاً كان التفكير والظلامية في انتظارهم!