لا يختلف اثنان على ان كرة القدم هي الرياضة الأولى بكل المقاييس مقارنة بأي رياضة عامةً او اقله اي رياضة تدور أحداثها داخل مستطيل ذي ألوانٍ مختلفة. تختلف النسب بشكل كبير جداً في عدد المتابعين خلف الشاشة والحاضرين داخل الملعب، وحتى القارئين عنها في الصحف أو على المواقع الإلكترونية. أساساً لا مجال للمقارنة، عبر البلدان، لا في بلدٍ واحد، بين كرة القدم وباقي أنواع الرياضة.

تلك اللعبة التي لا مجال لحدودها، استهوت عقول كثيرين وحافظت على جمهورها على مدار السنين. ازداد المتابعون، حتى مع ازدياد وارتفاع أسعار كل ما يتعلق بها، من بطاقات حضور ونقل تلفزيوني، فتحوّلت الى تجارة مربحة.
كرة القدم شغفها متوارث عبر الأجيال، ويبدو ذلك جلياً، في البلدان التي تعيش اللعبة كأسلوب حياة يومية، لا فرق بينه وبين السياسة عندنا مثلاً.
في قوله، يختصر الروائي الفرنسي ألبير كامو تعريفها : «كرة القدم هي ثقافة حقيقية للعالم... لا تقل بأهميتها وضرورتها عن الرواية والشعر والسينما، فهي اللعبة التي تحمل ثقافة الشعوب ودرجة تحضرها». يحمل كامو في كلامه ما يسبب عشق هذه اللعبة. لم يعد تشجيع الفريق، في دول عدة، مقتصراً على أهل بلدته أو مدينته، بل تعداه الأمر الى بلادٍ ومدنٍ أخرى.
غزت كرة القدم العالم كلّه من دون أي حروب أو حملات عسكرية
تكثر الأسباب لشدة تفوّق هذه الرياضة على أخواتها. تحكم لغة الأرقام، ونوعية المشجعين والمشجعات التي تظهر داخل الملعب من جماهير وإعلاميين وسياسيين أيضاً. اللاعبون المسجلون في الفيفا 38 مليون لاعب، وعدد الأندية في العالم تخطى الـ 300 ألف، وعدد الدول المنضمة إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» 208 دول، وعدد الحكام والإداريين المسجلين خمسة ملايين. وأخيراً، عدد من شاهد بطولة كأس العالم في البرازيل مليار شخص أي ما يعادل حوالى 15% من عدد سكان العالم!
هذه الأرقام ليست عابرة على الإطلاق، لما تبيّنه من انتشارها. إنها الحدث الاجتماعي الأول في العالم، إذ يمكن للجميع أن يطالها، الفقير والغني. على أرض خاصة وعشبٍ جيد، أو في حدائق أو شاطئ عام أو حتى في الشارع. البرازيلي بيليه والأرجنيتني دييغو ارماندو مارادونا والبرتغالي كريستيانو رونالدو تعلموا الكرة هناك.
اللعبة وصلت الى كل العالم. في كتابه «كرة القدم والعولمة»، يرى الكاتب الفرنسي باسكال بونيفاس أن كرة القدم هي الاستثناء الأجمل في ظاهرة العولمة وانها الوسيلة التي تبقى لتحقيق التقارب بين الشعوب المحافظة على الهوية الوطنية. يقول بونيفاس المختصّ في القضايا الجيوسياسية ومؤسس معهد العلاقات الدولية و الإستراتيجية «إريس»: «تبقى كرة القدم من الظواهر الحامية والمدافعة عن الهوية الوطنية مقارنة بالظواهر الاخرى المرتبطة بالعولمة والتي تذوب فيها الوطنية». يبين في طرحه كيف غزت كرة القدم العالم كله من دون حروب ومن دون أي حملة عسكرية. في بُعد الصراع بين الحضارات، يكفي توزيع «الفيفا» استقبال المونديال شر صدامها، إذ حصلت عليها الولايات المتحدة عام 1994 وجنوب أفريقيا عام 2010 وروسيا ستحصل عليها عام 2018، وقطر – حتى الآن، إذ من المحتمل أن تعود للإنكليز– عام 2022.
العالم بمعظمه يعشق هذه اللعبة، ويختصر هذا العشق حكايتها وعلاقتها بالشعب. يُفهم منه لماذا مدرجات ملاعبها تمتلئ بالكامل، حتى وإن لم تكن مباراة نهائية في بطولة ما، محلية أو دولية. أعلن «الفيفا»، مثلاً، أن مونديال البرازيل حقق ثاني أفضل حضور جماهيري في تاريخ بطولات كأس العالم. وذكر أن النسبة بلغت 52762 متفرجاً للمباراة الواحدة، لكنه لا يزال أقل من الرقم القياسي المسجل باسم الولايات المتحدة التي نظمت البطولة عام 1994، حيث بلغ معدل حضور آنذاك 68991 متفرجاً للمباراة. في المقارنة مع نهائي كأس العالم لكرة السلة الأخير الذي انتهى بفوز الولايات المتحدة على صربيا، حضر 13673 متفرجاً، والملعب رغم صغر حجمه مع ملاعب الكرة، إلا أن المقاعد لم تكن مليئة، ناهيك عن امتلاء بعضها من قبل ضيوف شركات الإعلانات التي ترعاها. يحصل هذا أيضاً في ملاعب كرة المضرب التي يبلغ أكبر عدد حضور فيه كحدٍّ أقصى لم يصل إليه يوماً، 30.000 متفرج.
على صعيد اللاعبين، يعرض بعضهم حياته المهنية للخطر، ويلعب رغم إصابته من أجل الوصول الى المونديال، لكي يكون موجوداً في الحدث العالمي الأبرز. أما في كرة السلة، فيختلف الوضع كثيراً، إذ يفضل اللاعبون اللعب في الـ «أن بي آي» على اللعب في مونديال السلة، مثل ما حصل مع بعض لاعبي المنتخب الأميركي، حيث غاب كل نجوم الصف الأول.
محاولات التنقيص من جماهيرية كرة القدم دائماً ما تبوء بالفشل. يشير الكاتبون عنها، الى القمر، فلا تنظروا الى أصابعهم. باتت اللعبة تشمل جوانب اجتماعية وأخلاقية للفرد في وطنه. لقد باتت أسلوب حياة، لذا ستتفوق دائماً على باقي أنواع الرياضة.