يتزامن موعد الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس الجمهورية مع انقضاء الشهر الرابع على شغور المنصب، وقد أضحى الحدث أقل من خبر عادي. لا أحد في الداخل يخوض في الاستحقاق، ولا الجهود الدولية الاخيرة أثمرت بعدما كشف عن مسعى لدى إيران، بعد السعودية، تولاه ممثل الامين العام للأمم المتحدة في لبنان السفير ديريك بلامبلي. وقد عاد من طهران محمّلا تمنيات ورغبات أظهرت فيها الجمهورية الاسلامية تأييدها إجراء الانتخابات الرئاسية في اقرب وقت ممكن، مع إبداء الإستعداد للمساعدة فحسب. لم يلمس السفير الأممي إجراءات جدية، ولا تقدماً كافياً في قنوات التواصل الإيراني ـ السعودي في ملفات المنطقة على نحو تدفع بالاستحقاق الى خاتمته.
بعض ما استنتجه محدثوه اللبنانيون منه، في الأيام الأخيرة، أن أوان الرئاسة اللبنانية لم يحن بعد، وأن ملف اليمن فتح على أبواب واسعة بين البلدين اللدودين، قبل أن يتمكنا من التفاهم تماما على العراق وعلى نطاق عمل التحالف الغربي لضرب «الدولة الإسلامية». الأحرى أنهما لن يبحثا في وقت قريب في ملف شائك بدوره تتقدم أهميته لبنان، بالنسبة إلى البلدين، هو الحرب السورية.
بدا المقصود من مهمة بلامبلي في العاصمتين، في ظل قنوات التواصل تلك، إحداث اختراق في مسألة أساسية مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، هو حصوله على موافقتهما على «مبدأ» اجراء الانتخاب. لم تنته مهمة السفير الاممي عند هذا الحد، ولا لاحظ أن الأبواب موصدة. ما سمعه في طهران طابق ما قيل له في الرياض، ومؤداه الإنتظار.
عاد بلامبلي
من الرياض وطهران بنصيحة الإنتظار



وشأن سواها من الجلسات الاحدى عشرة السابقة التي لم يكتمل نصابها انعقادها، لا تبدو جلسة اليوم في صدارة اي اهتمام داخلي. لا احد بين الافرقاء يحادث الآخر في الاستحقاق، وهم يسلمون بأن قراره إقليمي مغلق دون الرياض وطهران، على نحو لم تُعطَ الامم المتحدة فرصة تحقيق انفراج فيه. في المقابل يتصرّف الافرقاء المحليون كأنهم صانعو العقبات والعراقيل ومفاتيح الرئاسة بين ايديهم من خلال تبادل الشروط في ما بينهم:
ـ الرئيس ميشال عون مستمر في ترشحه، رغم انقطاع الخيط الوهمي الذي جمعه بالرئيس سعد الحريري كي يعوّل من خلاله ــ ومعه ــ على وصوله إلى الرئاسة. مع ذلك يتصرّف كأن حظوظ الرئاسة محتملة وجدية.
ـ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مستمر بدوره في الترشح لأن عون مرشح فحسب، على طريقة أن مسماراً يخلع المسمار: يتنافسان معاً، أو ينسحبان معاً، أو يُمنحان حق الفيتو معاً، أو يختاران الرئيس المقبل معاً.
الواقع أن شغور 2007 ثم انتخابات 2008 لم يمنحا أياً من الزعيمين المسيحيين حق التسمية أو الإختيار، أو المفاضلة حتى. عام 2007 أُرغم جعجع على القبول بالمرشح التوافقي قائد الجيش آنذاك، وحُمل عون في الدوحة على التنازل له.
ـ لا أحد يأخذ على محمل الجد ترشيح النائب هنري حلو سوى ترجمة لموقف النائب وليد جنبلاط، وهو حرمان كل من قوى 8 و14 آذار الأكثرية المطلقة للفوز من الدورة الثانية.
قبل هذا وذاك، لا أمل في التئام نصاب الثلثين لانعقاد المجلس من دون حدث إقليمي كبير أو صدمة أمنية داخلية خطيرة، ما دام التوافق الإقليمي مفقوداً حتى إشعار آخر.
الواقع أن التعويل على مهمة بلامبلي حمّلها توقعات أكثر مما يسعها أن تحمل بعدما بذل والسفير الأميركي في بيروت دافيد هيل، كل على حدة، وساطة لدى الرياض وطهران في كانون الثاني وشباط الفائتين أفضت إلى إبصار حكومة الرئيس تمام سلام النور، ثم ساهمت الوساطة نفسها في إنجاز البيان الوزاري قبل عشرة أيام فقط من بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس. لم يسع الرئيس ميشال سليمان مرافقة آخر حكومات عهده سوى في الشهرين الأخيرين من ولايته.
لا يصح تماماً تعميم تجربة الجهود والضغوط الدولية التي أفضت الى تأليف حكومة سلام في الشهر الحادي عشر على الاستحقاق الرئاسي. وتاليا توقع تعويم انتخاب الرئيس في اي لحظة كما لو أن حلاً سحرياً هبط عليه. لم يهبط على تأليف حكومة سلام وحي أو كلمة سرّ، ولم يفاجىء الإعلان عنها أياً من الأفرقاء. التقى التوافق الاقليمي السعودي ـ الايراني على «مبدأ» تأليفها تبعا لقاعدة واحدة هي جمعها قوى 8 و14 آذار معاً في سلطة اجرائية واحدة، وتحديداً تيار المستقبل وحزب الله. بعد ذلك ترك التوافق الإقليمي للأطراف المحليين تقاسم الحصص فيها.
تحوّط تأليف الحكومة في شباط لدخول البلاد في المهلة الدستورية الشهر التالي، آذار، ومن ثم لشغور رئاسي مرتقب بعد شهرين: في مقابل رفض قوى 8 آذار التمديد للرئيس ميشال سليمان، رفضت قوى 14 آذار ترشيح عون خلفاً له. لم يعنِ ترشيح جعجع في نيسان سوى التحضير لمعادلة مختلفة بعد سقوط خيار التمديد وخروج سليمان من الرئاسة في أيار: جعجع في مقابل عون. إذاً المسماران وجهاً لوجه.