ناقش مجلس النواب للمرة الاولى سلسلة الرتب والرواتب في 15 نيسان. ثم اكمل المناقشة في 14 ايار، في جلسة ثانية طار نصابها لاحقاً، فرفعت الى جلسة ثالثة في 27 ايار لم يلتئم نصابها ايضا. ثم الى جلسة رابعة في 10 حزيران فقد نصابها بدورها. فالى جلسة خامسة في 19 حزيران لم تنعقد.
هكذا لم يُتح انعقاد المجلس سوى في جلسة ونصف جلسة تقريباً، راح رئيسه نبيه بري يقول ان لا جلسة عامة تبدأ الا حيث انتهت الجلسة الرابعة. لم يكن قد انتهى التصويت على سلسلة الرتب والرواتب وقد أقر بعض موادها، ولا صُدّق على محضر الجلسة، فاستمرت منذ ذلك اليوم معلقة ومفتوحة في الوقت نفسه، وسيفا مصلتا على اي التئام تشريعي للمجلس يمنع الخوض في اي بند في جدول الاعمال ما لم يُصر الى بت السلسلة باقرارها او رد المشروع الى الحكومة.
تزامن تعطيل الانعقاد مع تصاعد الخلاف على ارقام السلسلة بين رئيس المجلس وتيار المستقبل، بشهادة وفرة لقاءات عقدها بري مع الرئيس فؤاد السنيورة خصوصا، على هامش الجلسات التي لم تلتئم تارة، وفي اجتماعات ثنائية في عين التينة طورا. سرعان ما اكتسبت مقاطعة الجلسات وتعمد تعطيل اكتمال النصاب القانوني حجة مبررة عند نواب قوى 14 آذار، هي استمرار تعذر انتخاب رئيس الجمهورية في الهيئة نفسها، القادرة على الالتئام للتصويت على مشروع والعاجزة عن وضع اوراق في صندوقة الاقتراع في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس ثم بعد انقضائها.
منذ الجلسة الرابعة المقررة لاستكمال مشروع السلسلة في 10 حزيران، دخل البرلمان في تعطيل شبه شامل. في اليوم السابق، 9 حزيران، كان موعد الدعوة السادسة الى انتخاب الرئيس لم يكتمل نصابها بسبب النزاع المحوط بالمرشحين الرئيسيين وتعذر التوافق على الرئيس، توالت بعد ذلك الجلسات بلا طائل حتى الثلثاء الفائت 23 ايلول موعد الدعوة الثانية عشرة. بذلك تداخل تعطيل نصاب تلك بهذه، وتساوى اخفاق المجلس في مقاربة الاستحقاقين: لا يراد له الاجتماع لاقرار قوانين، ولا هو قادر على انتخاب رئيس الدولة.
«تشريع الضرورة»
عبارة استعارتها
قوى 14 آذار من
رئيس المجلس



في احاديثه مع زواره يتناول بري هذه الوقائع في الآتي:
1 ـ تبعا لما اخطره به نواب تيار المستقبل وخصوصا السنيورة، لتبرير مقاطعتهم جلسات المجلس، تضامنهم مع حلفائهم المسيحيين الذين يرون في انتظام آلية التشريع للبرلمان ـ وهو المعني الاول والمباشر بالاستحقاق الرئاسي ـ امعاناً في تجاهل انتخاب الرئيس، وتالياً اغفال مشاركة فريق اساسي في آلة الحكم هو رئيس الدولة. الا ان السنيورة ونواب تيار المستقبل اخطروا بري اكثر من مرة انهم يعدون مقاطعتهم جلسات المجلس ابان استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي خطأ، قد تراجعوا عنه الآن.
2 ـ لم تكن عبارة «تشريع الضرورة» اكتشاف قوى 14 آذار لتوفير مخرج يتيح عودتها الى جلسات الهيئة العامة. على مرّ اشهر استقالة حكومة ميقاتي، مترافقة مع تعطيل جلسات المجلس بذريعة عدم دستورية انعقاده في غياب الحكومة او في حضور حكومة مستقيلة لا تصح مساءلتها، كان خلاف بري مع قوى 14 آذار. وكانت هذه ـ كحالها اليوم ـ متضامنة آزر فيها يومذاك النواب المسيحيون زملاءهم السنّة احتجاجا على الحؤول دون تمكين الرئيس المكلف تمام سلام من تأليف حكومته. تمحور ذلك الخلاف حول ما عدّه هذا الفريق جدول اعمال فضفاضا. في احاديثه مع السنيورة، اخطره بري انه مستعد سلفا للتفاهم معه على جدول الاعمال بحيث يستثني منه ما لا يحبذ تيار المستقبل مناقشته في ذلك الوقت، وتأخيره ومن ثم عدم الخوض فيه، على ان يُترك لرئيس المجلس تخريج هذا التفاهم، فلا يناقش سوى ما يقتضي تحت وطأة الضرورة مناقشته.
مع ذلك، لاسباب اخرى ترتبط مباشرة بما حسبه عرقلة شيعية مفتعلة لمهمة سلام وتأليفه الحكومة، وازن الفريق السنّي تعليق التأليف بتجميد انعقاد المجلس. فيتو سنّي في مقابل فيتو شيعي. او هكذا بدا. في الاسابيع الاخيرة، توجه بري الى قوى 14 آذار مبديا الاستعداد للخوض في «تشريع الضرورة»، واخصها المواضيع التي لا تحتمل التأجيل، وعدّد خمسة منها تحتل الاولوية غير المنازع عليها: سلسلة الرتب والرواتب، رواتب موظفي القطاع العام، الاوروبوند، تعديل قانون الايجارات، تعديل ما يقتضي تعديله في قانون الانتخاب واخصه المهل القانونية.
3 ـ على مر مراحل التواصل والتفاوض مع الفريق الآخر، تعمّد بري عدم الدخول في مناقشة دستورية انعقاد مجلس النواب في غياب رئيس الجمهورية او استقالة الحكومة، ونظر باستمرار الى ان الصلاحية مطلقة، وفي الوقت نفسه غير مطروحة للمناقشة والاجتهاد والتبرير. لم يجد في مقاطعة الفريق الآخر سوى موقف سياسي فحسب يرتبط باستقالة حكومة تارة، وبشغور رئاسي طورا. حمله ذلك على توجيه الدعوة الى جلسة تشريعية واحدة تلو اخرى في ايار وحزيران المنصرمين، وقبل ذلك على مرّ اشهر استقالة حكومة ميقاتي بين عامي 2013 و2014 كي يؤكد دستورية انعقاد المجلس في كل حال، سواء اكتمل نصابه ام طُيّر عمداً. ولئلا يسجّل سابقة تعطيل البرلمان في اي من الشغورين هذين.