«عالمٌ يحترق» هو عنوان كتاب شهير للأكاديمية آيمي تشوا، تحاجج فيه بأنّ ديمقراطية السوق، حين لا ترافقها عدالة في التوزيع الاقتصادي، تخلق عالماً من الكراهية الاثنية والصراعات على المستوى الداخلي والدولي؛ فالسّوق الحرّة غالباً ما تفرز أقليّات متحكّمة، كالجاليات الصينية في دول شرق آسيا أو اللبنانيين في غرب افريقيا، أو كالأميركيين والأوروبيين على الصعيد العالمي. تقول «تشوا» إن الديمقراطية في هذا الاطار لا تعدو أن تكون أداةً لتحويل الفوارق الى كراهية ونزاعات، متنبئةً بأنّ استدامة نظام السوق سوف تملأ دنيانا بالحروب والعنف.
هذه الصورة التشاؤمية تتحقّق في بلادنا بالفعل، فالحروب التي تهدف الى الحفاظ على توزيع الثروة في المنطقة، وتلك التي يموّلها المال النفطي، التقت مع الصراعات الداخلية والغزو الخارجي حتى ذرت بلادنا ذرياً. الحرب والمأساة هي المورد الوحيد الذي توزّع بشكلٍ عادل على فقراء المنطقة، فلم يتبقَ شعبٌ، من العراق الى سوريا الى لبنان وفلسطين، الّا واختبر - جماعياً - الفاجعة والتهجير والذلّ، وصارت له مأساته الخاصة.
ضربات اميركا اليوم هي علامة جديدة على عالمنا الذي يحترق، فالمهيمن لا يستعمل القوة كعلاجٍ أوّل، بل بعد أن يستنفد آليات التحكّم والسيطرة. والولايات المتحدة، في زمن تراجعها، لم تعد تملك الّا القوة العارية والبنى العسكرية التي راكمتها في المنطقة لفرض دورها وارادتها. هذه النار ستستعر لسنواتٍ قادمة، وقد ننتصر في النهاية، لكنّ السؤال يبقى حول المواطن العربي اليوم وهامش الرعب الذي يعيش فيه. بماذا يمكن أن نعد العراقي في الموصل أو السوري في الرقة؟ يمكننا أن نردعه عن الانضمام الى «داعش» وشبيهاتها، أو أن نهدده بالويل والحرب والعقاب، ولكن، هل نقدر على مخاطبته من زاوية مصلحته؟ هل نستطيع أن نمدّه بوعدٍ ملموس لغدٍ أفضل؟
في هذه الأيام السوداوية، لا يبقى لنا الا القتال... وشيء من الشماتة؛ المستقبل ليس لأعدائنا، والشماتة، بالطبع، ليست سلوكاً منتجاً، الّا انّه، بعد أن دمّروا بلادنا ومات الأمل، لم يتبقَّ لنا من متعةٍ، نحن ابناء هذا الجيل الضائع، الّا في مراقبة هزيمة أعدائنا وتأمّل خيباتهم.